ووفق تقرير حقوقي صادر عن «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، وهي إحدى الجهات المستقلّة المعنيّة بتوثيق أوضاع الحريات وحقوق الإنسان، فإنّ 35 عضواً في حملة طنطاوي، وهم من 13 محافظة مختلفة، جرى اعتقالهم من الشارع أو من منازلهم وأعمالهم، وإخفاء بعضهم قسراً لفترة، قبل ظهورهم في نيابة أمن الدولة للتحقيق معهم. ووفق المبادرة، تلقّى بعض أعضاء الحملة استدعاءات للتحقيق من قِبل «الأمن الوطني»، بينما صدر قرار بحبس 35 منهم بتهم «نشر أخبار كاذبة». كذلك، حُكِم بالحبس على الناشر والقيادي في «التيار الحر»، هشام قاسم، لمدّة 6 أشهر، على خلفية اتهامات تبادلها مع القيادي العمالي الأسبق، كمال أبو عيطة، الذي عمل وزيراً للعمل بعد «ثورة يناير»، وسط انتقادات حقوقية واتهامات للأخير بأن تحرّكه جاء بناءً على تعليمات أمنية، وخاصة أن الأحكام التي صدرت ضدّ قاسم ستمنعه من خوضه السباق الانتخابي. وبالعودة إلى قانون الانتخابات، فهو يشترط لقبول ترشّح شخص ما، أن يزكّيه 20 عضواً على الأقلّ من أعضاء مجلس النواب، أو أن يجمع 25 ألف توكيل من 15 محافظة مختلفة على الأقلّ، بواقع ألفٍ من كلّ منها في الحدّ الأدنى. وهو شرط، وإنْ كان يسيراً تحقيقه على المرشّحين، إلّا أنه يحمل خطورة كبيرة على مؤيّديهم، في ظلّ تدوين بياناتهم لدى أجهزة الدولة، وما يمكن أن يتبع ذلك من ترهيب أمني. وقبل أسابيع، طرح حزب «العدل»، اسم حسام بدراوي، القيادي البارز في «الحزب الوطني» المنحل إبان حكم حسني مبارك، كمرشّح محتمل للانتخابات الرئاسية، لكن الرجل خرج في لقاء تلفزيوني تحدّث فيه صراحة عن الغياب الكامل لضمانات إجراء انتخابات نزيهة، وفي مقدّمتها حيادية وسائل الإعلام وعدم تدخّل الدولة في الانتخابات، بينما في الواقع الحالي تتعاضد مختلف أجهزة الدولة على دعم الرئيس.
اتّخذ السيسي قرارات شعبويّة من أجل ضمان تجاوز فترة الانتخابات
على خطّ موازٍ، اتّخذ السيسي قرارات شعبويّة من أجل ضمان تجاوز فترة الانتخابات - التي يبدو أنه ستعقبها إجراءات اقتصادية قاسية -، مُقدّماً «تنازلات» عدّة، بدءاً من «الحوار الوطني» الذي بدا أشبه بجلسات ثرثرة تتخلّلها ببعض الانتقادات للنظام، مروراً بعمليات إخلاء سبيل بعض النشطاء الذين كانوا محبوسين منذ سنوات طويلة على غرار أحمد دومة، ووصولاً إلى تقبّل انتقادات تُبثّ من داخل مصر، من دون تحفّظات، على غرار انتقادات معارضي النظام الذين تستضيفهم شبكة «BBC» البريطانية. وفي المقابل، يَجري تجيير موارد الدولة من أجل دعم حملة السيسي، الذي تتصدّر صوره اللافتات الدعائية في شوارع القاهرة، والتي تدعوه إلى الترشّح من أجل «استكمال الإنجازات»، بتوقيع أحزاب مختلفة تشترك في ما بينها في الافتقار إلى أيّ قاعدة حقيقية في الشارع. أمّا قانون حظر التجمهر والتظاهر، فلا يزال ساري المفعول بشدّة على المعارضين، بينما يَجري غضّ الطرف عن التظاهرات المؤيّدة للسيسي، والتي تنقلها الفضائيات الحكومية من وقت إلى آخر، في تطبيق انتقائي للقانون.
ولم يقتصر التضييق على مرشّحي الرئاسة على المدنيين فقط، بل انسحب أيضاً على المؤسسة العسكرية التي بات طرح أيّ مرشّح منها لانتخابات الرئاسة، وفق التعديلات القانونية، بحاجة إلى موافقة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما يعني أن السيسي وحده يملك صلاحية إتاحة الفرصة لوجوه تلك المؤسّسة للترشّح. وإذ طُرِح اسم رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق محمود حجازي، ذي السبعين عاماً، في سوق التداول، فإن الرجل لن يستطيع الترشّح من غير موافقة القادة العسكريين، بعدما كان باب خوض المنافسة مفتوحاً على مصراعيه في السابق، شرط مضيّ فترة محددة من التقاعد أو الاستقالة. كذلك، لا تزال المخاوف من الانتقام حاضرة لدى أيّ عسكري يقرّر الترشّح لمنافسة السيسي، أخذاً في الاعتبار ما حدث لرئيس الأركان الأسبق، الفريق سامي عنان، الذي جرى وضعه في السجن لمدّة عامين، مع حبس غالبية أنصاره بتهم مختلفة، قبل أن يتمّ الإفراج عنه على وقع ضغوط من قادة عسكريين سابقين.
وعلى الرغم من أن المناخ السياسي يبدو ديموقراطياً في الظاهر، إلّا أن الخوف من مرحلة ما بعد الانتخابات لا يفتأ يتزايد، ليس فقط من احتمالات التوقيف أو تلفيق الاتهامات التي تبدو جاهزة من اليوم، ولكن أيضاً من عودة التضييق على الأحزاب السياسية التي سُمح لها في الفترة الماضية بعقد اجتماعات والحديث إلى الإعلام الغربي. ومردّ ذلك، في الواقع، صعوبة استمرار حالة «الانفتاح» هذه، في ظلّ سعي الرئيس إلى إجراء استفتاء على تعديل الدستور لاحقاً، بما يسمح له بالترشّح في انتخابات عام 2030، وهو ما دخل بالفعل طور المناقشات الجدّية، علماً أنه سيرتبط بتعديلات أخرى متّصلة بالتحضير لإجراء الانتخابات المحلّية، وإصلاح الجوانب غير القابلة للتطبيق في نصوص الدستور الحالي.