القاهرة | في وقت يواصل سعر صرف الجنيه المصري التهاوي بشكل يومي في البنوك، وفي ظلّ استمرار العديد من القيود على توفير العملة الصعبة عبر المنافذ الرسمية بما فيها البنوك سواءً لأغراض السفر أو الاستيراد، نشرت الجريدة الرسمية قراراً لرئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، استبطن محاولة لترشيد الإنفاق العام في جميع الجهات المنصوص عليها في الموازنة العامة للدولة والهيئات الاقتصادية، وهو ما سيُطبَّق حتى نهاية العام المالي الجاري الذي ينتهي في 30 حزيران المقبل. ونصّ القرار على تقليص النفقات مراعاةً لتداعيات الأزمة المالية العالمية، وتجميد أعمال السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس الوزراء. كما نصّ على تأجيل الصرف على أيّ حاجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، وتأجيل تنفيذ أيّ مشروعات جديدة لم يتمّ البدء بتنفيذها وتتطلّب موارد من العملة الصعبة. وإذ يَجري الاعتماد على الاستيراد في أبسط الأمور الإنشائية، فإن الارتباط الوثيق بين سعر الصرف المتغيّر بشكل يومي والأعمال الإنشائية سيؤدّي إلى إيقاف جميع الأعمال الجديدة حتى إشعار آخر، وهو ما لا ترغب الحكومة في إعلانه بشكل صريح، بخاصة مع تعثّر الانتهاء من مشروع تطوير القُرى الذي يتبنّاه الرئيس عبد الفتاح السيسي تحت اسم «حياة كريمة»، نتيجة الأزمة الاقتصادية.لكن ما لم يُذكر صراحة، هو ما الذي سيحلّ بالعديد من المشروعات الضخمة وعمليات الاستيراد الكبيرة التي كان يُفترض أن تُنفّذ خلال الفترة المقبلة، والمرتبط بعضها بالتجهيزات التي سيجري تزويد مباني الوزارات بها في العاصمة الإدارية الجديدة التي تأخَّر أيضاً الانتقال إليها للسبب نفسه، فضلاً عن مشروعات كبرى يُفترض ضخّ أموال بالدولار واليورو فيها، ويأتي في مقدّمتها القطار السريع الذي تَعمل عليه شركة «سيمنز» الألمانية، وعملية تطوير بعض محطّات الكهرباء، وهي عقود قيمتها بالمليارات.
وكشفت مصادر حكومية، لـ«الأخبار»، أن العجز المالي المرتقب يُقدَّر، حتى الآن، بأكثر من 22 مليار دولار، وهو رقم كبير جدّاً يتوجّب تعويضه من مصادر أخرى في وقت سريع، بخاصّة وأن عمليات الاستحواذ التي يجري التفاوض في شأنها مع الصناديق الخليجية تواجه مشكلات متعدّدة، من بينها قوّة الجانب الخليجي ورغبة القائمين على هذه الصناديق في الحصول على أكبر عدد من المشروعات الناجحة، سواء بشراكة جزئية أو كاملة، وبأقلّ الأسعار. وتُرجع المصادر، الضغوط الخليجية لشراء بعض الأصول بأقلّ من قيمتها، إلى غياب البدائل في الوقت الحالي، وعدم قدرة الحكومة على جذْب مزيد من الأموال ولو بشكل مؤقّت، ممّا يضعها في موقف ضعْف أمام المستثمرين الخليجيين الذين يدركون صعوبة الموقف وضيق الوقت، خصوصاً في ظلّ ضغوط «صندوق النقد الدولي»، فضلاً عن الرغبة الخليجية، في انتظار انخفاض أعلى لقيمة الجنيه، وهو ما سيعني سداد مبالغ أقلّ بالدولار.
يجري إخفاء أيّ معلومات دقيقة حول الوضع الاقتصادي والاحتياطات المالية


وتتزامن أزمة توفير العملة الصعبة، مع إخفاء أيّ معلومات دقيقة حول الوضع الاقتصادي، وخصوصاً الاحتياطات المالية وما يتمّ إنفاقه بالعملة الصعبة إلى جانب عمليات التضييق المالي على التحويلات بالدولار من الخارج، وهو أمر مرتبط بقيود ضريبية قد يتمّ تطبيقها، وإنْ لم تتّضح صورتها بعد. ويرتبط جزء من التحرّكات التي يقوم بها البنك المركزي بالتنسيق مع وزارة الداخلية، بمحاصرة عمليّات تبديل العملة في السوق الموازية التي شهدت ملاحقات متعدّدة أدّت إلى جمود في عمليات البيع والشراء، فضلاً عن حملات للتشجيع على التخلّي عن الذهب، وسط أخبار غير مؤكدة عن سعي «المركزي» إلى زيادة احتياطاته من الذهب، وهو ما حدث مطلع العام الماضي بالفعل. ويرتبط الجزء الآخر من تحرّكات تقييد عملية الحصول على العملة الصعبة بالرسوم التي تمّ فرْضها على عمليّات التحويل للعملات الأجنبية وتحرُّك جهاز مباحث الأموال العامة في شأن عمليات مراجعة البطاقات الإلكترونية المستخدَمة في الخارج، وهو ما أعاد معدّلات السحب من الخارج لمعدّلاتها الطبيعية وسط قيود على أيّ تحويلات للأفراد وزيادة المستندات المطلوبة لتوفير العملة الصعبة للشركات.