القاهرة | يترقّب المصريون قراراً جديداً سيَصدر عن البنك المركزي، بتخفيض قيمة العملة للمرّة الثالثة في غضون عام، من أجل استحصال موافقة «صندوق النقد الدولي» على القرض الجديد البالغة قيمته 3 مليارات دولار. ويجلّي التخفيض الجديد، والذي يُتوقّع أن يصل بقيمة الجنيه إلى نصف ما كان عليه في آذار الماضي، اضطراب آليات التعامل مع الأزمة التي لا تفتأ تتعمّق يوماً بعد آخر. إذ إن البنك المركزي، الذي يتابع تحرّكات الأموال، أصبح عاجزاً عن توفير الدولارات حتى للموارد الأساسية التي تستلزمها الصناعة، ما دفع بأصحاب المصانع إلى اللجوء إلى السوق السوداء التي وصل فيها سعر الصرف إلى 31 جنيهاً مقابل الدولار، بينما في «المركزي» لا يزال السعر الرسمي أقلّ من 25 جنيهاً، من دون أن يتوفّر الحصول عليه تحت أيّ مسمّى.وساهمت تعليمات «المركزي» إلى البنوك، في الأيام الماضية، باستقبال الدولارات مهما كان مصدرها، في رفع سعر الصرف في السوق السوداء، في وقت أثارت فيه التوقّعات بموجة التخفيض الثالثة إقبالاً كبيراً على تحويل الأموال إلى دولارات أو ذهب للحفاظ على قيمة المدّخرات، الأمر الذي أدّى بدوره إلى تعليق عمليات البيع في عدد من محالّ الذهب، مع وضع سعر له عند 33 جنيهاً. هذا الإرباك، الذي ضرب الأسواق كافّة، دفع الحكومة إلى إصدار تقرير موسّع تردّ فيه على شائعات الإفلاس، وتؤكد قدرتها على سداد الالتزامات، وتحقيق نموّ اقتصادي. على أن ذلك الردّ بدا غير مقنع على الإطلاق، وحَمل تناقضات واضحة، عاكساً حالة تلبّك لدى السلطات، التي تأمل أن يجني الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته للسعودية (بدأت أمس)، مليارات جديدة تدعم الاقتصاد المصري، وهو ما سيتصدّر أجندة مباحثات المسؤولين المصريين مع نظرائهم السعوديين.
ساهمت تعليمات البنك المركزي إلى البنوك باستقطاب الدولار في رفع سعره في السوق السوداء


في هذا الوقت، يبحث النظام عن كبش فداء للأخطاء الاقتصادية يقدّمه للرأي العام، على غرار ما حدث مع محافظ البنك المركزي السابق، طارق عامر، الذي أقيل من منصبه إثر عملية التعويم الأولى. لكن هذه المرّة، يبدو أن الحكومة الحالية، ورئيسها مصطفى مدبولي، ووزير ماليتها محمد معيط، سيكونون هم أكباش الفداء، وخاصة أن الوضع المتردّي اقتصادياً سيؤدّي إلى زيادات أخرى كبيرة في الأسعار خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما تخشى السلطات استغلاله مع قرب ذكرى «ثورة 25 يناير». وعلى الرغم من أن قرار إقالة الحكومة كان قد اتُّخذ بالفعل قبل أشهر، إلّا أن طريقة إخراجه لا تزال قيد الدرس، فيما قد يجري العدول عنه في اللحظات الأخيرة في حال تمكُّن النظام من محاصرة الأزمة، وهو ما يبدو شبه مستحيل راهناً.
وإلى الآن، فإن ما فعله المعنيّون للتعامل مع الأزمة لا يتجاوز حدود تكثيف المحاولات الهادفة إلى تحصيل مبالغ كبيرة بالدولار، مع إيقاف وتجميد أيّ أعمال بالعملة الصعبة بما فيها مشاريع حكومية خدمية، وأخرى في العاصمة الإدارية الجديدة، وحتى بعض مشاريع الطاقة النظيفة. وعلى طريق استقطاب الدولارات، جرى عرض أراضٍ على المصريين المغتربين لشرائها بالدولار على الفور ومن دون مزايدات. كما فُتحت عملية الاستيراد لسيارات المغتربين من دون جمارك ورسوم، بشرط تحويل وديعة بالدولار من الخارج تُصرَف بعد 5 سنوات بالجنيه المصري من دون عائد خلال تلك الفترة، فضلاً عن بدء مفاوضات لسداد بعض المدفوعات المالية المستحَقّة بالدولار لمورّدين محلّيين، بالجنيه المصري. ومن بين ما سيجري استقطابه من الخارج أيضاً، 500 مليون دولار خلال النصف الأول من 2023 عبر سندات استدامة تهدف عائداتها إلى تمويل المشاريع ذات التأثير البيئي أو الاجتماعي، ضمن خطّة تهدف إلى جمع نحو 6 مليارات دولار عبر الصكوك السيادية والسندات الخضراء.