القاهرة | في ظلّ استمرار تعثُّر الاتفاق بين القاهرة و«صندوق النقد الدولي»، تُواصل الحكومة المصرية مساعيها لإيجاد روافد من العُملة الصعبة، التي تشتدّ حاجتها إليها خصوصاً لتصريف البضائع المستورَدة، والمكدّسة في موانئها منذ عدّة أشهر. وفي هذا السبيل، تحثّ الحكومة خُطاها على طريق طرْح المزيد من مشاريع الشراكة بين القطاعَين العام والخاص، وخاصة الخليجي منها، فيما تُتابع مساعيها لمضاعفة كمّيات الغاز المصدَّرة إلى أوروبا، فضلاً عن استمرار تشبّثها بالمشاريع التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل سنوات، وثَبتت ضآلة جدواها في إمداد خزانة الدولة بالدولار
لا يزال الاتفاق بين مصر و«صندوق النقد الدولي» على قرض جديد متعثّراً، في ظلّ رغبة الأولى في الحصول على 6 مليارات دولار على أقلّ تقدير، ومُطالَبة الثاني بتخفيض الرقم إلى النصف، توازياً مع اتّخاذ مزيد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة. وإذ تُواصل الحكومة المصرية، في هذا الوقت، العمل على محاولة تخفيف حدّة الأزمة، وتخفيض فاتورة الاستيراد الشهرية، فإن هذه التداعيات بدأت تصل إلى صغار التجّار، نتيجة نقص المنتَجات وغياب تلك البديلة، إضافة إلى توقُّف عدد من الصناعات والأعمال التجارية بشكل شبه كامل، وفي مقدّمها السيارات وقطاع الغيار. وبينما لا يُتوقّع إيجاد حلّ للأزمة الآخذة في التفاقم قبل نهاية العام الجاري على الأقلّ، يلتزم البنك المركزي بسعر صرف غير حقيقي للجنيه مقابل الدولار، مُواصِلاً تخفيض قيمة العملة المحلّية بشكل أسبوعي، إنّما من دون توفير العملة الصعبة، الأمر الذي أعاد نشاط السوق الموازية بنسبة زيادة تتجاوز 25%، خاصة مع بعض التسهيلات التي تمّ استحداثها في عمليات الاستيراد.
وعلى رغم أن الحكومة لا تملك، إلى الآن، رؤية معلَنة وواضحة للتعامل مع الأزمة، إلّا أن مسارات متوازية يجري العمل عليها من أجل بلورة هذه الرؤية. وعلى رأْس تلك المسارات، يأتي المؤتمر الاقتصادي المقرَّر عقده الشهر المقبل على مدار 3 أيام من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، والذي سيَعرض فيه الجانب الحكومي «وثيقة ملكية الدولة» التي تحدّد شكل الشراكة مع القطاع الخاص الأجنبي. وتُخطّط الحكومة للدخول في شراكات مع ذلك القطاع بما يناهز 10 مليارات دولار سنوياً، من أجل رفْد خزانة الدولة بالعملة الصعبة، لكن المشكلة الرئيسة التي تُواجهها هي اشتداد الأزمة المالية العالمية، وارتفاع مستوى الفائدة، ما يَقصر الاستثمارات على صناديق الاستثمار الخليجية التي لا ترغب سوى في تنفيذ «استحواذات» على مشاريع ناجحة وتدرّ عائدات بالفعل. وفي هذا الإطار، لا يزال التفاوض جارياً لإقامة مؤتمر يجمع رجال الأعمال القطريين، توازياً مع إعادة تكثيف نشاط «مجلس الأعمال المصري - القطري» بهدف ضمان ضخّ المليارات القطرية بشكل مباشر، بعدما تراجعت الدوحة عن الدخول في مشاريع عدّة كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وُعد بها خلال زيارته لقطر الشهر الماضي.
الحكومة لا تملك، إلى الآن، رؤية معلَنة وواضحة للتعامل مع الأزمة


ووعد السيسي، قبل أيام، خلال حديثه عن الوضع الاقتصادي وبجواره محافظ البنك المركزي، بأن جميع معوّقات توفير الدولار ستنتهي خلال شهرَين كحدّ أقصى، في ما من شأنه المساهمة في تصريف البضائع المستورَدة، والتي باتت تتكدّس في الموانئ منذ عدّة أشهر، ولا تتوافر اعتمادات بالدولار لإخراجها منها، إلى درجة أن قراراً استثنائياً صدر من أجل عدم تطبيق الإجراءات الخاصة بإعدام السلع، عقب مرور الفترة المحدَّدة قانوناً لبقائها. وعلى رغم تعهّدات السيسي، إلّا أن البنك المركزي لا يزال حائراً في ما يمكن أن يقوم به، وذلك بسبب نقص مدخوله من العملة الصعبة، في مقابل ما يتوجّب عليه سداده خلال الفترة المقبلة، وهو ما ينبئ بزيادة إضافية في الأسعار. ويرى مصدر مصرفي تحدّث إلى «الأخبار»، أن جزءاً من الأزمة «مرتبط بسياسات خاطئة جرى تطبيقها سابقاً من قِبَل البنك، أبرزها شراء احتياطي نقدي من الذهب، في وقت كان يُتوقّع فيه تناقُص سعر الذهب عالمياً وفق مؤشّرات عديدة». ويَلفت المصدر إلى أن «هناك مشكلة في جزء من تحويلات المصريين في الخارج، والتي شهدت أخيراً تراجعاً لافتاً نتيجة عوامل اقتصادية عدّة يعانيها المغتربون، الأمر الذي أدّى بدوره إلى نقص في النقد الوارد، في ظلّ عدم يقين بخصوص حجم عائدات السياحة في المرحلة القادمة». ويتحدّث المصدر عن «سيناريوات عديدة جهّزها محافظ البنك المركزي للعرْض على رئيس الجمهورية لحسم الأمر بقرار رئاسي في الأيام المقبلة»، مضيفاً أنه «يجري إعداد هذه السيناريوات بالشراكة مع وزارة المالية لتحديد الاحتياجات، وما يمكن الاستغناء عنه في أقرب وقت أو حتى إرجاؤه حتى إشعار آخر، مع عدم المساس بأيّ مخصّصات موجَّهة لعمليات الإنشاء الخاصة بالمشاريع القومية التي أطلقها السيسي».