القاهرة | لا يبدو الاحتفاء الحقوقي والإعلامي الرسمي في مصر بإلغاء حالة الطوارئ، للمرّة الأولى منذ نيسان 2017، مساوِقاً لما يجري على أرض الواقع. ذلك أن النظام لا يريد عملياً إلّا تحسين صورته أمام «المجتمع الدولي» لتخفيف الانتقادات التي تطاله، عبر تصدير إصلاحات شكلية في مجال حقوق الإنسان، مع استبدال النصوص الواضحة بأخرى يلفّها الغموض، بما يضمن إدامة قبضته الأمنية الصارمة، التي قضت على المعارضة ولم تَعُد تسمح إلّا بسماع الأصوات المؤيّدة له.في نيسان 2017، فرض الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حالة الطوارئ في عموم مصر (بعدما كانت مفروضة في سيناء منذ عام 2013)، من دون انقطاع إلّا لفترات بسيطة، إلى ما قبل ثلاثة أسابيع، حيث أعلن عدم نيّته تمديدها مجدّداً في تشرين الأول الماضي. لكن بحسب مصدر مصري تحدّث إلى «الأخبار»، فإن وزارة الداخلية لديها سلطات واسعة لا تزال تستخدمها من دون الحاجة إلى تطبيق قانون الطوارئ. وأكّد المصدر أن التشريعات القانونية تمنح صلاحيات لرجال الأمن في التعامل مع أيّ خطر محتمل قد يستشعرونه تجاه أيّ فرد أو جماعة. مثلاً، لا يزال الوصول إلى شمال سيناء شبه مستحيل بالنسبة إلى غير الحاصلين على تصريحات بالسفر، فيما تترصّد عمليات التفتيش بالراغبين في الانتقال من المنطقة وإليها، توازياً مع استمرار عمليات التوقيف والاحتجازات للمسافرين إلى جنوب سيناء.

القانون باقٍ بالتحايل
في خلال فترة تطبيق قانون الطوارئ، مرّر النظام تعديلَين مهمَّين: الأوّل، مرتبط بالمنظومة القضائية الخاصّة بمحاكم أمن الدولة الجزئية للجنح ومحاكم أمن الدولة العليا للجنايات، وهي المحاكم التي توقّفت إحالة القضايا إليها، ولكنها لا تزال قائمة لاستكمال المحاكمات التي بدأتها، علماً أنها استثنائية ولا يجوز الطعن في أحكامها، التي تبقى غير نهائية إلى حين تصديق الرئيس عليها؛ أمّا التعديل الثاني، فقد ارتبط بإجراءات مشدّدة للتعامل مع تداعيات جائحة «كورونا».
التعديلات التي أقرّها البرلمان منحت الرئيس صلاحيات واسعة تجعله هو القاضي الرئيس. ومن هذه الصلاحيات، التصديق على الأحكام، والحق في حفظ الدعوى قبل تقديمها بعد الانتهاء من التحقيقات، والسماح له بأن يأمر بالإفراج المؤقّت عن المتّهمين المقبوض عليهم قبل إحالتهم إلى المحكمة، أو تخفيف عقوبتهم بعد صدورها أو إلغائها كلياً. ويعني ذلك أن الحكم النهائي يصدره رئيس الجمهورية، وليس القاضي الذي نظر في القضية. والجدير ذكره، هنا، أنه أمام هذه المحاكم، تُقدَّم غالبية قضايا النشطاء السياسيين. بمعنى آخر، فإن الحديث عن عدم تدخّل الرئاسة في شؤون القضاء، أمرٌ عبثي، لكون المنظومة الموازية التي جرى تأطيرها قانونياً، تجعل صلاحية الرئيس تفوق صلاحية القاضي، بالتالي تمنح السيسي سلطات مطلقة في التعامل مع جميع القضايا، خلال أيّ من مراحل التقاضي. وتقتصر الاستفادة من إيقاف المحاكم المذكورة، على المتّهمين الذين لا يزالون قيد التحقيق، إذ ستتمّ إحالتهم إلى المحاكم العادية، وفق قانون الإجراءات الجنائية، الذي أُجريت عليه تعديلات توسِّع سلطة الأمن في التعامل مع المتّهمين، وتجعله بديلاً ضمنياً لقانون الطوارئ.
ومن أبرز التعديلات أيضاً، تغليظ عقوبة جرائم إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة وبيانات القوات المسلّحة، لتتضاعف الغرامة المالية - إلى جانب إبقاء عقوبة الحبس ما بين ستة أشهر وخمسة أعوام - إلى 50 ألف جنيه كحدّ أقصى (3200 دولار). أمّا طبيعة هذه الأسرار، فقد جرى تعريفها بعبارات فضفاضة، في ما يُعتبر تقييداً غير مباشر لما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليس في زمن الحرب فقط، إنّما بشكل دائم. كذلك، تمّ تعديل قانون حماية المنشآت العامّة والحيوية، وإسناد عملية التأمين إلى قوات الجيش، بمعاونة قوات الشرطة، بما يشمل محطّات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري، وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامّة، الأمر الذي يعني، فعلياً، تحوُّل البلاد إلى ثكنة عسكرية بالكامل. ولعلّ أخطر ما تضمّنته التعديلات الأخيرة، هو تحويل التعامل مع الجرائم التي تطال تلك المنشآت، إلى القضاء العسكري. بمعنى آخر، فإن أيّ خلاف قد ينشب بين مواطن وشخص عامل في جميع منشآت الدولة، قد يكون مطلوباً أمام القضاء العسكري.
ما تقوله الحكومة في تبرير هذه التعديلات القانونية، هو أن التحدّيات والمخاطر الأمنية باتت تتطلّب تعديلات تشريعية قادرة على التعامل مع «حروب العصر الحديث». وهو ما تسعى من خلاله إلى ترسيخ مفهوم «الطوارئ»، عبر القوانين الاعتيادية، بدل القانون الاستثنائي.