القاهرة | يدرك الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن شعبيّته في أوساط الشباب هي الأدنى من بين جميع الفئات العمرية الأخرى، خصوصاً بعدما أحجم هؤلاء، الذين يشكّلون الغالبية العظمى من السكّان، عن الانخراط في الأنشطة والفعاليات التي يحاول استقطابهم من خلالها، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المخابرات والجيش. هذا «الجفاء» هو الذي دفعه إلى محاولة إحياء فكرة «التنظيم الطليعي» التي ابتكرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات، مستبعداً، في المقابل، الأفكار التي عمل بها «الحزب الوطني» إبان حكم حسني مبارك، عبر «لجنة السياسات» التي تولّاها نجله جمال. هكذا، ولدت كيانات متعدّدة، بدءاً من «تنسيقية شباب الأحزاب» وصولاً إلى «اتحاد شباب الجمهورية الجديدة»، أشرفت على تأسيسها المخابرات، وأجبرت رجال الأعمال على تمويلها، في ظلّ محاولات لاصطناع «الديمقراطية» داخلها على رغم أنها لا تتمتّع بأيّ استقلالية بل تنفّذ التعليمات المُوجَّهة إليها من دون نقاش. وفي الاتجاه نفسه، دأب السيسي، على مدار سنوات حُكمه، على محاولة التودّد إلى الشباب، كما ظهر في النسخ المختلفة من «مؤتمرات الشباب»، مروراً بـ«منتدى شباب العالم» الذي جمع فيه شبّاناً من عدّة دول حول العالم، وصولاً إلى افتعال حوادث تُظهره كَمَن يمدّ يد العون لبعضهم، كما في التقائه بهم بـ«المصادفة» عند سيره بالدراجة، أو خلال جولاته التفقّدية.منذ ما بعد وصوله إلى الحُكم بأقلّ من عامين، وتحديداً في عام 2016، أطلق السيسي «عام الشباب»، معلِناً أن خطط هذا العام تستهدف نحو 60% من السكّان الذين تقلّ أعمارهم عن 40 عاماً، والذين كانوا أكثر المتضرّرين من قرارات رفع الدعم والتقشّف. لكن حتى اليوم، لا نتائج ملموسة لذلك، سوى تصدير بعض الوجوه الشبابية المحسوبة على العسكر وكبار رجال الدولة، وتسليمهم مناصب مساعدين للوزراء والمحافظين. حاول السيسي إظهار اهتمام بالغ بالشباب في عملية التوظيف، من خلال التركيز على هذه النقطة بالذات خلال اللقاءات شبه المنتظمة التي يعقدها، توازياً مع العمل على توفير عشرات آلاف الوظائف في المشروعات التي ينفّذها، والتي لا يضمن معظمها سوى الحدّ الأدنى للأجور (لا يزيد عن 150دولاراً)، لكنها من وجهة نظر الرئيس كافية وبديلة من الانضمام إلى طابور العاطلين الذي تقول التقارير الرسمية إنه بات أقلّ من 10%. هذا الواقع جعل الشاب المصري مضطراً للعمل في أكثر من وظيفة لكي يحقّق دخلاً بالكاد يكفيه قوت يومه، في ظلّ قفزات الأسعار المستمرّة بشكل سنوي، حتى في أبسط الخدمات بما فيها المياه والكهرباء. ومع ذلك، يأتي السيسي ليُحدّث الشباب بلغة ساخرة عن ضرورة تحمّل صعوبات الحياة، كما في حديثه عن ثلّاجته الخالية في سنوات زواجه الأولى. من جهة أخرى، يغفل السيسي حقيقة أن فرص العمل التي توفّرها الحكومة في المشروعات، خاصة المعمارية منها، لا تناسب الشرائح الكبرى من خرّيجي الجامعات (وهم بمئات الآلاف سنوياً من الأطباء والمعلمين)، الذين لا يجدون فرصهم.
البرامج التي أطلقها السيسي لمصلحة الشباب، لم تستهدف في حقيقة الأمر إلّا النخبة من هؤلاء


أمّا البرامج التي أطلقها السيسي لمصلحة الشباب، فهي لم تستهدف في حقيقة الأمر، إلّا النخبة من هؤلاء، وتحديداً خرّيجي الجامعات الأجنبية والراغبين في الدراسة في الخارج، بالإضافة إلى أبناء ضباط الجيش والمخابرات وأقاربهم، ومَن عملوا مع الأجهزة الأمنية مِن قَبل وساندوها خلال فترة الاضطراب التي استمرّت منذ عام 2011 وحتى وصول السيسي إلى الحكم منتصف عام 2014، والذين لا يزالون يتلقّون مكافآت على أدوارهم، خصوصاً في ظلّ استمرارهم في تنفيذ التعليمات حتى في أشدّ اللحظات صعوبة على الأجهزة الأمنية نفسها. «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة»، مثلاً، والمستوحى من النموذج الفرنسي (تبعه إنشاء الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب)، لم يكن، عملياً، سوى جزء من عملية «فلترة» تستهدف تصعيد أشخاص معيّنين إلى المناصب القيادية، لا على أساس الكفاءة إنما وفق معيار «الثقة»، وهو ما أدى إلى عملية إقصاء موسّعة بناءً على التقارير الأمنية. صحيح أن هناك قانوناً بوقف التعيينات في الجهاز الإداري للدولة منذ عدّة سنوات، في إطار خطّة تخفيض الأعباء، إلّا أن التعيينات الاستثنائية جعلت أعداداً كبيرة من الشباب يقفزون بـ«الباراشوتات» على قطاعات عدّة، من بينها الإعلام الذي ظهرت فيه ابنة اللواء عباس كامل مدير المخابرات، كمذيعة.
على خطّ موازِ، وبعد تقويض أحزاب المعارضة على مدار ثلاث سنوات وإقصائها وحرمانها من مباشرة أبسط قواعد العمل السياسي، دشّنت المخابرات «تنسيقية شباب الأحزاب»، للعمل في إطار ما تريده الدولة، وإن بصبغة «المعارضة». هكذا، حاول النظام تفصيل معارضة شبابية على مقاسه، لكن اختيار شباب «التنسيقية» على أساس ولائهم للمخابرات أفضى إلى ظهور شخصيات لا تتقن التعامل مع أبسط المواقف السياسية، وهو ما أدّى إلى منع غالبيتهم من الحديث إلى الإعلام من دون تصاريح مسبقة، واتفاق على النقاط التي سيتناولونها. أمّا «اتحاد شباب الجمهورية الجديدة»، الذي وُلد نتيجة عملية «تهجين» بين «التنسيقية» و«البرنامج الرئاسي»، فلم يَفرق عن سابقَيه، لتُضاف به حلقة جديدة إلى مسلسل تزيين صورة الحُكم، ومحاولة إلباسه لبوساً ديمقرطياً. وعلى رغم أن السيسي أقرّ تشريعات من شأنها المساعدة في تمكين الشباب سياسياً، من بينها خفض سنّ الترشح للانتخابات، لكن تبقى المشكلة الرئيسة في آلية التطبيق، ومَن يُسمح لهم بالانخراط في الحياة السياسية، ولا سيما مع وجود مئات المعتقلين السياسيين الشباب، المحبوسين احتياطياً من دون أحكام نهائية.