على رغم إبداء القاهرة ترحيباً بوساطة موسكو لحلّ أزمة «سدّ النهضة»، إلّا أن القبول الشكلي بالمبادرة الروسية، ورهنه بموافقة جميع الأطراف، لم يكونا سوى معالجة دبلوماسية في غير محلّها أضاعت مزيداً من الوقت. وحسم السفير المصري في واشنطن، معتز زهران، مسألة الوساطة في مقالة كتبها لمجلّة «فورين بوليسي» الأميركية، تحدّث فيها عن قدرة واشنطن وحدها على إنقاذ مفاوضات «سدّ النهضة»، في ما يشير إلى تعمُّق الاستجداء المصري للإدارة الأميركية الجديدة، التي لم تبدِ، من جهتها، اهتماماً بالأزمة وتطوّراتها في خلال الفترة الماضية. وفي مقالته، بدا زهران ناطقاً بلسان الأجهزة المصرية، إذ أشار إلى المشكلات والأضرار التي سيؤدّي إليها السدّ حالَ الاستمرار في سياسة الملء والتشغيل المنفرد من الجانب الإثيوبي، فضلاً عمَّا تُمثّله هاتان الخطوتان من انتهاك لجميع الاتفاقات الموقّعة بين الدول الثلاث، بما فيها «اتفاق إعلان المبادئ» الموقّع في عام 2015.وترتكز الرؤية المصرية التي يجري الترويج لها دولياً، إلى إبراز تعنُّت إثيوبيا وعرقلتها أيّ سُبُل للتفاوض سواء عبر وساطة أفريقية أو غيرها، في ظلّ الاستمرار في الأعمال الإنشائية من دون الاكتراث لمناشدات دولتَي المصبّ. ومن هنا، طالبت القاهرة إدارة جو بايدن بضرورة التحرُّك «الآن»، بعدما درست الوضع لتحديد أفضل سياسة للتعامل مع الإدارة الجديدة، وتوصّلها إلى ضرورة استجداء البيت الأبيض من طريق التركيز على الملفّات التي يضعها ضمن أولوياتها، ومن بينها تأثير السدّ على التغيُّر المناخي في المنطقة، فضلاً عن تأثير عملية الملء الأحادية على ارتفاع مستويات سطح البحر وارتفاع درجة الحرارة بما يخالف الأجندة الأميركية التي تضع قضايا المناخ على رأس أولوياتها. ولذلك، تضمّنت مقالة السفير المصري مطلباً محدّداً، وهو تدخُّل الرئيس الأميركي للمساعدة في الوصول إلى اتفاق برعاية واشنطن، فيما جاء تذكير زهران بالتزام القاهرة اتفاق السلام مع إسرائيل، وتشجيعها الدول العربية على اتخاذ خطوات مماثلة، من ضمن ما ساقه لتأكيد «الشراكة» بين القاهرة وواشنطن وضرورة التشاور قبل اتّخاذ أيّ قرارات مصيرية. وتندرج رسالة زهران في إطار مساعي القاهرة إلى حشد رأي عام دولي داعم لمطالبها، توازياً مع بدئها التمهيد على المستوى الشعبي لقبول الملء الثاني من خلال الإعلان عن الاستعداد للتعامل معه. لكن المفارقة أن الأوساط الأميركية لم تُبدِ ترحيباً كبيراً بمقالة السفير المصري، لا سيما من ناحية تذكيره بـ«اتفاق كامب دايفيد».
ترتبط رؤية مصر التي يجري الترويج لها دولياً بإبراز تعنُّت إثيوبيا وعرقلتها أيّ سُبُل للتفاوض


في هذه الأثناء، تمضي وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، في التنسيق مع نظيرها المصري، سامح شكري، إذ يتناوبان على زيارة الدول الأفريقية لشرح الموقف المشترك للبلدين. وفي هذا الإطار، زارت المهدي، أوّل من أمس، الكونغو لبحث الخطوات المقبلة في ما يتعلّق بآلية التعامل مع الخطوات الإثيوبية، وسط غموض حول موعد استئناف المفاوضات بين البلدان الثلاثة بعد فشل مفاوضات الكونغو الشهر الماضي، وتبادل السجالات الكلامية بين مسؤولي الدول الثلاث. وخلال لقائها رئيس الكونغو، فيليكس تشيسيكيدي، أكّدت الوزيرة أن بلادها تعتبر الملء الثاني بمثابة قضية أمن قومي نظراً إلى كونها تهدّد حياة السودانيين على ضفاف نهر النيل الأزرق، فيما حصلت على وعد بردّ قريب من الرئيس الذي تترأّس بلاده الدورة الحالية من الاتحاد الأفريقي، إذ يأمل تشيسيكيدي في عودة المفاوضات قبل نهاية الشهر الجاري. وسيطرح السودانيون أزمة «النهضة» مع الوفد الأميركي الذي يزور البلاد حالياً باعتبارها من أهمّ القضايا العالقة راهناً، فيما سيزور وفد آخر القاهرة خلال الأيام المقبلة، حيث ستتمّ مناقشة جميع النقاط العالقة معه في شأن أزمة السدّ.
أمّا في أديس أبابا التي تستعدّ لانتخابات مصيرية، فإن بدء الملء الثاني يعدُّ بمثابة لحظة تاريخية يَعتبر المختصّون الإثيوبيون أن انتظارها طال، خصوصاً أن تخزين 18 مليار متر مكعّب من المياه قبل استكمال المفاوضات من شأنه أن يؤدّي إلى تغيير مسار المحادثات حول السدّ، إذ سيجعل مصر والسودان راغبتين في الحفاظ على السدّ وسلامته، لأن أيّ أضرار سيتعرّض لها ستكون نتائجها كارثية على البلدين. وكانت إثيوبيا بعثت رسالة إلى الأمم المتحدة تُبدي فيها قلقها إزاء التعاون العسكري بين مصر والسودان والتلويح بالحرب عليها، معتبرة أن القاهرة والخرطوم تحاولان الضغط عليها من خلال تعطيل المفاوضات لتدويل الملف، مع رفض الحلول المقترحة من جانبها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا