القاهرة | لم تكن زيارة الساعات الستّ التي قام بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للسودان، سوى استكمال للتواصُل المستمرّ منذ أسابيع بين البلدين. وعلى رغم تصوير الإعلام المصري الزيارة بوصفها انتصاراً للقاهرة، إلّا أن الوقائع تؤكّد أنها لم تحمل أيّ جديد على المستويات كافّة، بل عبّر فيها السودانيون عن غضبهم إزاء تركيز الإعلام المصري على المساعدات التي قدّمتها القاهرة إلى الخرطوم.زيارة السيسي، التي جاءت بعد أيّام من أخرى قامت بها وزيرة الخارجية السودانية إلى مصر، حملت دلالات رمزية لجهة التعاون السياسي والعسكري بين البلدين، وبعثت برسالة إلى إثيوبيا بوحدة الموقف بين القاهرة والخرطوم، في أعقاب توتّرات استمرّت أشهراً طويلة، ما من شأنه أن يعزّز الموقف المصري في أزمة سدّ النهضة، بالتحرّك الثنائي في مواجهة أديس أبابا دولياً. وتعتزم القاهرة التوجُّه إلى مجلس الأمن مجدّداً، لكن هذه المرّة برفقة الخرطوم، وتحت البند السابع المرتبط بـ»تهديد السلم والأمن الاقليميَّين والدوليَّين» في شرق أفريقيا، ولا سيما في ظلّ استمرار رفض إثيوبيا مقترح الوساطة الدولية الرباعية الذي قدّمه السودان وباركته مصر، وتفضيلها اقتصار الوساطة على الاتحاد الأفريقي الذي لم يصل، على مدى أكثر من عام، إلى أيّ نتيجة.
جرى إبلاغ السيسي بشكل مباشر ضرورة عدم «إذلال» السودانيين بما يُقدِّمه المصريون


ويبدو أن ملف سدّ النهضة هو الوحيد الذي يجمع بين مصر والسودان؛ إذ إن كلا البلدين يشعر بالخوف والقلق إزاء تداعيات الملء الثاني لبحيرة سدّ النهضة، لتأثيره السلبي على حصّتيهما من المياه، إضافة إلى قلقهما من سلامة الإنشاءات الخاصة بالسدّ، والتي قد تؤدّي إلى انهياره بعد تخزين المياه فيه. في ما عدا ذلك، وعلى رغم محاولة مصر إظهار وجود تعاون وثيق مع السودان، إلا أن هذا الأمر ليس حقيقياً، خصوصاً في ما يتعلّق بالتعاون الاقتصادي والمشاريع المنويّ تنفيذها بين البلدين في الفترة المقبلة، ليس بسبب أزمة النزاع الحدودي في شأن حلايب وشلاتين الواقعتَين تحت السيادة المصرية، واللتين يقول السودان إنهما تابعتان له وتقعان ضمن حدوده الجغرافية، ولكن لأنّ غالبية المشاريع المُعلَن عنها لا تتعدّى وظيفتها الاستهلاك السياسي، وجميعها تقريباً مُقترحة منذ حكم المخلوع حسني مبارك. واللافت أن معظم المشاريع التي أُعلن عنها بالتزامن مع زيارة السيسي، بدأت خطواتها من قَبل، وبعضها توقّف لأسباب لها علاقة بالتمويل، والبعض الآخر لأسباب متّصلة بالخلافات حول بعض التفاصيل. ويُعدُّ مشروع ربط السكة الحديد المصرية بالسودانية أحد هذه المشاريع التي تواجه عجزاً في التمويل، فضلاً عن اختلاف المواصفات التي يتَّبعها البلدان، وهو ما دفع مصر إلى الإعلان عن تطوير السكة الحديد السودانية لتتواءم مع نظيرتها الممتدّة في القاهرة. ومشروع الربط الحديدي أحد المشاريع التي جرى الحديث في شأنها في عهدَي مبارك والرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، لكن التكلفة العالية، فضلاً عن غياب الإرادة سياسية، أدّيا إلى تعليقه، فيما يتحدّث السيسي عن دراسة جدوى لتنفيذ المشروع مجدداً خلال الفترة المقبلة، مع وجود مشكلات كبيرة لدى الجانب السوداني، نتيجة عدم جاهزية الخط الحديدي للربط داخل أراضيه.
كذلك، وعلى رغم أن مصر نفّذت تدريبات عسكرية مشتركة مع السودان، وبحثت التعاون العسكري عبر وفود عسكرية متبادلة، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن هذه الزيارات لم تأتِ بأيّ جديد، في ظلّ تعليق المشاريع بين الجانبين، ومن بينها الربط الكهربائي، الذي ستحصل مصر بموجبه، لقاء ما تُصدِّره من طاقة إلى السودان، على محاصيل ومنتجات. ومن هنا، جرى إبلاغ السيسي بشكل مباشر بضرورة عدم «إذلال» السودانيين بما يُقدِّمه المصريون، لأن بلادهم تُقدِّم أيضاً الكثير للمصريين، لذا ليس من المحبَّذ الحديث مراراً وتكراراً عن المساعدات أو الخدمات التي تقابلها مواقف سياسية واصطفاف خلف الموقف المصري، فضلاً عن أن «دوافع الأخوة والروابط المشتركة» التي تتحدّث بها القاهرة تتنافى مع وقائع الإعلان عن المِنَح والمساعدات، وما يقدَّم علناً بصورة تسيء إلى السودانيين.
في النتيجة، لم تحمل زيارة السيسي أكثر من «فنكوش» جديد للسودان، مرتبط بغياب مشاريع حقيقية للتنفيذ، مع إعلانات كثيرة نظرية عن أوجه التعاون المستقبلي، لكن لا السيسي ولا النظام الانتقالي في السودان قادران على تنفيذها، على الأقلّ في المدى المنظور.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا