في غضون ذلك، اتصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بنظيره في جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، طالباً منه عرض تطورات المفاوضات في القمة الأفريقية الأسبوع المقبل وتوضيح النقاط الخلافية التي لم تُحسم، ما يعكس استمرار الاختلاف في وجهات النظر بين القاهرة وكيب تاون بشأن تفاصيل كثيرة، رغم ما أسفرت عنه الاجتماعات في الشهور الأخيرة حول إيجاد طرق عدة للتفاوض. والتحرك الدبلوماسي لم يعد في القاهرة فقط، بل امتد عبر لقاءات واتصالات أخرى؛ أبرزها الجلسة الافتراضية الموسعة التي عقدها سفير مصر في الولايات المتحدة، معتز زهران مع مساعدي أعضاء الكونغرس، موضحاً لهم أن موقف بلاده هو «تشجيع التنمية في إثيوبيا من دون أن تتسبب في الإضرار بمصر ومصالحها المائية». اللافت أن واشنطن تحولت في الأيام الأخيرة إلى ساحة تنافس خلفي بين القاهرة وأديس أبابا مع الدور الكبير الذي تقوم به سفارتا البلدين لإقناع أعضاء الكونغرس بموقف كل منهما، فضلاً عن تكوين رأي عام داعم في المحافل الدولية. ومصرياً، تجرى اللقاءات في واشنطن بتنسيق مشترك بين الخارجية والمخابرات، مع توقعات بتولي السفير زهران منصب وزير الخارجية في التعديل الحكومي المرتقب خلال أسابيع خلفاً لسامح شكري.
تحوّلت واشنطن إلى ساحة عمل مصرية وإثيوبية للضغط على الكونغرس
أما الطرف الثالث في الأزمة، السودان، فيدخل دوامة الانشغال في التعديلات الوزارية التي يُتوقع أن يكون لها تأثير واضح في موقفها من السد قريباً، ولا سيما أن سلوك الخرطوم الذي شهد تصعيداً في الأسابيع الأخيرة لم يرتبط بالقاهرة، رغم تشابه المطالب بضرورة الاتفاق على آلية ملزمة للجانب الإثيوبي، مع اختلاف الآليات ووجهات النظر بين البلدين، وهو ما ترى فيه أديس أبابا فائدة كبيرة لها، كي تظهر أن الخلافات ليست مرتبطة بتعنّتها، بل بصعوبة تحقيق توافق يرضي جميع الأطراف. وفي الأيام الأخيرة، نفت مصر ما تردد عن تدخلها في إثيوبيا بالتحريض ضد الحكومة لإسقاطها، وهي التصريحات التي طلبت الأجهزة السيادية من وسائل الإعلام تجاهلها، مشددة على الترويج أن مصر تتمسك بالاتفاقات الدولية الموقّعة بشأن نهر النيل من دون التراجع عن أي اتفاق سابق ما لم يتم التفاهم على اتفاق جديد. وجزء من الاستراتيجية المصرية الجاري صياغتها هو وضع «الخطوط الحمر» التي لن تسمح القاهرة لأديس أبابا بتجاوزها، وخاصة مع تمسك الأخيرة بالحصول على مزيد من المياه خلال الملء المقبل، بغض النظر عن كمية الأمطار، علماً بأن القاهرة ترفض الطلب بتقسيم التفاوض على شقين: الأول التوافق على آلية الملء، ثم التفاوض على آلية التشغيل.