سريعاً، دبّت الحركة في السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية بعد سنوات دونالد ترامب العجاف. لقاءاتٌ واجتماعات مكثّفة منذ إعلان فوز جو بايدن أحيت الأمل بخيار المفاوضات لدى رام الله التي تجد أنه مهما كان أفق تحرّكاتها واسعاً، فلا بد أن يمرّ عبر عمّان التي تقاطعت معها في المواقف خلال مرحلة شدّ الأعصاب الأخيرة، ثمّ مع القاهرة بعدما تجاهلتها الأخيرة لأربع سنوات. وسريعاً أيضاً، التقط الأردن الإشارة، وقرّر الانخراط في جولة اللقاءات المكّوكية في دول الجوار، وفي جعبته نقاط ذات أولوية، لكن بحذر، خاصة في ظلّ تسارع التطبيع العلني مع إسرائيل. انخراط يأتي في أعقاب اقتناع كلّ من القصر والدولة العميقة بأن الانكفاء سيضرّ أكثر من المشي في حقل ألغام «الأعدقاء» في الخليج.أمّا مصر، التي أدركت هشاشة موقفها المستند إلى الحليف السعودي الواقع أيضاً في مأزقين داخلي وخارجي، فوجدت أن العودة إلى البدايات أسلم، وقرّرت تفعيل التنسيق مع «المُطبّعين القدامى» للتوسّط في مفاوضات جديدة. ومن هنا، جاء لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، و«زميله» الفلسطيني، رياض المالكي، في القاهرة أول من أمس. ومجدّداً، رفع الجانبان الأردني والفلسطيني شعارات «حدود 1967... وعاصمتها القدس الشرقية»، مع إعادة تأكيد الموقف في شأن «الوصاية الهاشمية ووقف الاستيطان» الذي يتسارع في هذه الأيام بعد الكشف عن وحدات استيطانية جديدة وبدء تنفيذ شبكة طرق من شأنها أن تنهش «الخطّ الأخضر»!
لا تبدو القاهرة إلى الآن قادرة على مواجهة البرلمان الأوروبي


هكذا، تسعى القاهرة إلى رعاية المفاوضات التي تقترحها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علماً أن مصادر عبرية قالت إن الجولة المقبلة ستكون تحت رعاية مصرية - أردنية - فرنسية - ألمانية (يحشد لها السيسي)، لكن رئيس السلطة، محمود عبّاس، المتعطّش للمفاوضات، يبحث هذه المرّة عن رعاية دولية وغير محدودة بجهة واحدة أو عبر قنوات «مأزومة» مثل القاهرة. ومع أن حضور عمّان قد يكون مريحاً لرام الله، فإن الجانب الأردني كذلك يريد الرعاية الدولية الأوسع من «اللجنة الرباعية» (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة وروسيا)، خاصة أنه يوصّف المشهد الحالي - على لسان الصفدي - على أنه غياب للأفق السياسي وجمود في العملية التفاوضية بالتوازي مع «إجراءات إسرائيلية لا شرعية على الأرض تقوّض كلّ فرص تحقيق السلام العادل والشامل الذي يشكّل حلّ الدولتين طريقه الوحيد». وهو موقفٌ تركن إليه عمّان في الوقت الفاصل عن دخول بايدن رسمياً البيت الأبيض، والذي تنتظر معه عودة التوازن إلى العلاقات مع واشنطن بضمانة دولية لا إقليمية فقط، ولا سيّما أن وجود لاعبين عرب جدد في الملعب الإسرائيلي سيؤثّر كثيراً في الحضور العام للمملكة في الحرم القدسي. وهذا ما برز واضحاً في تصريحات الصفدي الذي انتقد فيها الإجراءات الإسرائيلية في القدس، حيث قال خلال اللقاء مع السيسي إن الموقف «يستدعي أن نعمل معاً من أجل حشد موقف دولي للتصدّي لبناء المستوطنات وتوسعتها وهدم البيوت وضمّ الأراضي والانتهاكات في المسجد الأقصى... وإيجاد أفق يأخذنا إلى طاولة المفاوضات على أساس القانون الدولي».
وبينما يأمل «ثلاثي المطبّعين القدامى» إحراز تقدّم في التفاوض مع العدو يمنحهم مساحة مريحة لترتيب سياساتهم الخارجية والداخلية، تسعى مصر إلى ضمّ العراق، ولو شكلياً، إلى «مؤتمر سلام» يُعقد في القاهرة، ويضمّ أيضاً حضوراً من المُطبّعين الجدد وغيرهم، وهي مساعٍ بدأت منذ أشهر من دون ردّ واضح من بغداد. لكن يبقى العامل الحاسم هو التعاطي الإسرائيلي مع جوقة المُطبّعين القدامى والجدد، وما سيترتّب على ذلك من «تعديلات» محتملة لاتفاقات التسوية مع مصر والأردن خصوصاً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا