القاهرة | «تسليم الحزب للأمن»، هكذا فعل رئيس «الوفد»، بهاء أبو شقة، بأعرق الأحزاب المصرية عقب أسابيع من الصدام المباشر مع قيادات الحزب. فأبو شقة، المقال من الهيئة العليا للحزب تحت وطأة الاحتجاجات من الأعضاء، عُيّن نائباً في مجلس الشيوخ، كما وُضع اسم ابنته أميرة ضمن «القائمة الوطنية» التي أعدّتها أجهزة الأمن لتكون من أعضاء مجلس النواب، فيما اختير نجله في اللجنة الاستشارية لـ«الشيوخ»! بهذا الثمن، قبض أبو شقة بيع «الوفد» للأجهزة الأمنية التي لم تكتفِ بضمّ أعضاء من الحزب العتيد ليترشّحوا على قائمة حزب «مستقبل وطن» (تديره المخابرات)، بل ساعدت الرجل في التنكيل بـ»الوفديّين» المعارضين للانخراط والتماهي مع النظام بصورة جعلت حزبهم يتذيّل عدد المرشحين مقابل أموال تبرعات!في النتيجة، اندمج «الوفد» مع أحزاب أخرى في القائمة التي أعدّتها المخابرات للانتخابات البرلمانية، وهو اندماج لم يطاول سمعة الحزب فحسب، بل أطاح رئيسه ليحلّ مكانه مؤقتاً الدكتور محمد عبده (نائبه) تمهيداً لانتخابات داخلية في الشهر الأخير من السنة، لرئيس جديد عليه مهمّة ثقيلة هي إعادة بناء «الوفد» وسحبه من الانخراط مع الأمن. وقبيل رحيله الأسبوع الماضي عن رئاسة الحزب، حرّض أبو شقة الأمنَ على ثلاث شخصيات من قيادات الشباب في «الوفد»، فاعتقلتهم الشرطة على ذمة اتهامات لا أساس لها مثل «الانتماء إلى جماعة محظورة ونشر أخبار من شأنها الإضرار بالأمن العام». هذه الخلافات جاءت بعد قرار المخابرات إقصاء «الوفد» من المشهد لمصلحة «مستقبل وطن»، لينفرد أبو شقة بأسماء مرشّحيه على «القائمة الوطنية»، ويقبل تقليص العدد ليكون سبعة فقط من أصل 19 يفترض أن يكونوا نصيب «الوفديّين» كما اتُّفق في البداية.
باع رئيس الحزب «الوفديّين» بمقعد له ومقعدين لابنته وابنه


تنازلات أبو شقة للأمن جاءت ضمن صفقة تضمّنت تصعيد أميرة ابنته، مع ترضيته بمنصب وكيل مجلس الشيوخ، وذلك بتنسيق مسبق قبل تعيينه عضواً في المجلس الذي لا يملك أيّ صلاحيات، وهو مجلس شرفي لترضية رجال النظام ومَن لم يعودوا يحصدون أموالاً من وظائف حكومية أو شبه حكومية. وشكّل ذلك صدمة من الرجل الذي صعد في 2018 لرئاسة الحزب، متعهّداً بتقويته، لكنه اليوم سَلّمه للأمن، بل تسبّب في سجن شبابه المعترضين على سياسات الأمن في التعامل معهم، مختاراً أن ينهي مسيرته بفضيحة ستظلّ تلاحقه وتلاحق أبناءه الذين دخلوا الحياة النيابية بفضله ومن دون أن يكونوا أفضل المؤهّلين.
صحيح أن طريقة مغادرة أبو شقة «الوفد» أربكت الأخير، وأخرجته من حسابات الحياة السياسية خلال السنوات الأربع المقبلة على الأقلّ، مع تمثيل هزيل في مجلس النواب، لكن الرهان سيكون على مدى قدرة الحزب على الصمود ومواجهة الجبهات المتشرذمة داخله في عملية إعادة بنائه، إذا ما سمح الأمن بها أساساً، وخاصة مع تسريبات عن إقصاء «الوفد» كلياً من المشهد لمصلحة حزب الدولة المرضيّ عنه، «مستقبل وطن».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا