القاهرة | يواصل المصريون الإحجام عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، من جرّاء اعتقادهم بأنه لا جدوى منها، فضلاً عن معرفتهم النتيجة مسبقاً، وهو ما انعكس بوضوح في نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الشهر الجاري، حيث بلغت 14%، في أدنى نسبة منذ انتفاضة 2011. وعلى خلفية ذلك، لجأت «الهيئة الوطنية للانتخابات» إلى إعلان تحرّك قانوني من أجل ملاحقة الممتنعين عن التصويت، عبر تقديم أسمائهم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم وتوقيع عقوبة عليهم قد تصل إلى غرامة بمقدار 500 جنيه (30 دولاراً أميركياً) في حال غياب عذر مقبول! هذه الخطوة التي تَلقّاها المصريون بسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الهيئة قد لوّحت بها قبل موعد الانتخابات. ولمّا لم ينجح تكتيكها ذاك، لجأت إلى التلويح بالعقوبة مجدّداً بعد انتهاء الجولة الأولى التي حُسمت فيها غالبية المقاعد من جرّاء قلّة عدد المرشحين وفوز النافذين الذين تمّ الحشد والتصويت لهم بمقابل مادي، وجميعهم من «القائمة الوطنية» التي ألّفتها الأجهزة الأمنية وحزب «مستقبل وطن» المدار مخابراتياً.بموجب المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، يُعدّ التصويت واجباً، والتخلّي عنه من دون سبب إخلالاً بالواجب يستوجب العقوبة مُمثّلة في الغرامة، التي تصل في حدّها الأقصى إلى 500 جنيه. لكن «الهيئة الوطنية للانتخابات» لا تملك حق توقيع العقوبة، وما تقدر عليه فقط هو إحالة الواقعة إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق، مستندةَ إلى الكشوف التي أعدّتها وخلت من توقيعات الناخبين، علماً بأنه في الانتخابات البرلمانية، على غرار انتخابات الشورى الأخيرة، ليس للناخبين حق التصويت في غير دوائرهم، وهو ما يمنع مئات الآلاف، وربّما الملايين، من التصويت، بسبب اشتراط التصويت في مقرّ اللجنة المُقيّد بها الناخب، الأمر الذي لا يناسب المغتربين والمواطنين الذين لم يغيّروا محالّ إقاماتهم.
وفق مصادر، بدأت اللجنة إعداد الكشوف تمهيداً لإرسالها إلى النيابة، التي سيكون عليها نظرياً إرسال مخاطبات إلى من تَخلّفوا لسؤالهم عن السبب، خصوصاً في المناطق التي ستُجرى فيها جولة إعادة. وهي مهمّة تُعدّ مستحيلة عملياً، نظراً إلى وجود نحو 54 مليون ناخب متخلّف من أصل أكثر من 62 مليوناً مسجّلين في قاعدة البيانات. أما تنفيذ العقوبة بعد إقرار الغرامة، فهو ليس من مسؤولية النيابة، بل وزارة الداخلية مُمثّلة في قطاع تنفيذ الأحكام الذي يحق له حبس المواطن الرافض سداد الغرامة. لكن المؤكد أن كلّ تلك السيناريوات ليست أكثر من محاولة لترهيب المواطنين وإجبارهم على المشاركة بكثافة في الانتخابات البرلمانية المقرّرة قبل نهاية العام الجاري.
مقدار الغرامة 500 جنيه (30 دولاراً) ويمكن أن تضاعف في جولات الإعادة


وتسعى أجهزة الدولة، بكلّ جهدها، إلى رفع نسبة المشاركة خشية اضطرارها إلى تطبيق الغرامة في حال استمرّ العزوف عن التصويت، وهو ما انعكس حتى في الفعاليات التي تنفق عليها الأجهزة الأمنية ببذخ كي تُروّج لمرشحيها، في وقت لا تزال فيه أسماء أعضاء البرلمان المقبل قيد المراجعة بعدما أُجري تعديل في الدوائر وزيدت نسبة تمثيل المرأة، ما سيُغيّر كثيراً في وجوه برلمان 2021. وتتوقع السلطات أن يدفع التلويح بالعقوبة، المواطنين، إلى المشاركة في البرلمانيات التي بدأ الإعداد لها، مع قرارات حكومية بمنح عطلة في الانتخابات أو تسهيلات للمغتربين من أجل ضمان تصويت كبير، وخاصة بين العاملين في المشروعات القومية التي تنفذها الدولة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا