القاهرة | تصاعدُ التحركات الدبلوماسية خلال الأيام الماضية لم يبعد شبح التدخل المصري العسكري في ليبيا، فبرغم الاتصالات التي تجريها القاهرة مع أطراف أوروبية، وخاصة فرنسا، مع أن غالبيتها اتصالات غير معلنة، فإن الأمور تتجه نحو المزيد من التعقيد خلال الأيام المقبلة، إذا استمرت حكومة «الوفاق» في مخططاتها المعلنة. وفق مصادر عسكرية، راجع الرئيس عبد الفتاح السيسي تفاصيل التدخل التدريجي الذي وصفته بـ«المحدود والمتصاعد»، بعدما اكتملت مشروعيته من وجهة النظر المصرية بدعوةِ رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، القاهرة للتدخل، إذ كانت الخطوة الوحيدة المتبقية لتنفيذ التدخل، ما يعني أن القرار الآن مرتبط بالظروف الميدانية وبالتوقيت.مع ذلك، لم تتوقف الاتصالات مع واشنطن، سواء المباشرة على مستوى التنسيق الاستخباري، أو العسكري، مع استمرار متابعة الجيش المصري توافدَ أعداد كبيرة من المسلحين عبر تركيا، إذ نقل المصريون إلى نظرائهم الأميركيين تأكيدات أن قدوم المسلحين لم يتوقف حتى الآن، وهو ما يدل على الاستعداد لتحرك عسكري كبير في سرت، يدخل في إطار سعي حكومة طرابلس للسيطرة على المدينة وطرد قوات المشير خليفة حفتر منها. لكن الجهود الدبلوماسية تركّز أكثر على باريس بصورة رئيسية وروما بصورة ثانوية، كي تكونا وسيطين بين القاهرة وأنقرة لتهدئة الأوضاع، بالإضافة إلى أطراف أوروبية أخرى لم تُكشف تفاصيلها. اللافت في هذه الاتصالات الطويلة أن أيّاً منها لم يتوصّل إلى نتائج خاصة مع تمسك تركيا والسراج باستكمال المعركة العسكرية وعدم قبول توقفها في ذروة انتصاراتهم، وهو ما ترفضه مصر بشكل كامل، مؤكدة أنها لن تسمح لهم بالتقدم أكثر من ذلك.
تبادلت القاهرة وطرابلس رسائل تهديد في اتصالات مباشرة بينهما


على خط موازٍ، وبرغم التصريحات العدائية من بعض وزراء «الوفاق»، تتواصل الاتصالات بين طرابلس والقاهرة لمحاولة الوصول إلى تفاهمات، يبدو أنها لم تنجح في تقريب وجهات النظر حتى الآن. وفق مصادر، تضمنت الاتصالات المصرية تهديدات مباشرة بـ«تدخل يفوق ما يمكن تصوره»، وهو ما ردت عليه «الوفاق» بأن هناك «أوراق ضغط أيضاً يصعب توقّع تأثيرها»، في مقدمتها مصير آلاف المصريين الذين صاروا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وهو ما أعاد القاهرة إلى المربع الأول: الرغبة عن التدخل العسكري المعلن، مع الخوف أيضاً من التورط في حرب لا يعرف مداها، فضلاً عن استجلاب عداء من بعض الأطراف الليبية التي لا تزال هناك محاولات لاستقطابها من المحور التركي ضمن «حسابات غاية في التعقيد»، وفق المصادر نفسها، في إشارة إلى عدد من القبائل.
تبدو الأمور أكثر تعقيداً في تفاصيل التدخل العسكري، لكن تحديد التوقيت هو مسؤولية مشتركة بين الرئيس ووزير الدفاع ومديري المخابرات العسكرية والعامة، وهي أمور جرت مناقشتها في لقاءات سرية وأخرى علنية، آخرها أمس، وسط محاولات لإعطاء مساحة للتفاوض حول تثبيت الوضع عسكرياً وبدء مفاوضات سياسية، الخطوة التي تفضل مصر السير فيها، وخاصة أن التدخل المباشر، الذي سيكون الأول منذ حرب الخليج الثانية، لن يكون سهلاً في تبعاته رغم مشروعيته الدولية التي حرصت القاهرة على استكمالها في الأسابيع الماضية. وصحيح أن هناك آلاف الأسلحة التي أرسلت بدعم إماراتي وسعودي إلى قوات حفتر في السنوات الماضية، لكن تنفيذ عمليات عسكرية باسم القوات المسلحة المصرية سيكون له أثر مختلف عن الحروب بالوكالة، ولا سيما أن المواجهة المباشرة ستكون مع تركيا التي تطلق تصريحات إيجابية أخيراً ربما تخلق تفاهمات معلنة أو غير معلنة سيئدها التدخل العسكري.
من الحسابات المصرية أيضاً محاولات التقرب المبالغ من حكومة السراج تجاه واشنطن، والوعود بالسماح بإقامة قاعدة عسكرية أميركية بعد السيطرة على سرت والجفرة، اللتين تعتبرهما القاهرة خطاً أحمر، لن تسمح بمغادرة حفتر لهما، كما توجد مشكلة رئيسية أخرى مرتبطة بالموقف الأميركي الذي قد يتغيّر مع بدء التدخل العسكري المصري. وثمة رؤية تقول إن تزويد حفتر وأبناء القبائل بالسلاح علناً لن يكون أيضاً خياراً متاحاً، وإن الأفضل منه تدخل سلاح الجو عبر قاعدة «الجفرة»، التي تستخدم كمركز عمليات، أو الانطلاق من المطارات المصرية العسكرية في المنطقة الغربية لتنفيذ غارات محددة الأهداف لتدمير عتاد الأسلحة خلال انتقاله من طرابلس إلى سرت.