القاهرة | في ظلّ تضارب الأنباء حول وجهته المقبلة، خرج نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، محمود، من جهاز المخابرات العامة بطريقة غامضة، في خطوة يقال إنها لاحتواء حالة الغضب الموجودة في الجهاز جرّاء الخلخلة السائدة فيه، والتي تسبّب بها مديره، اللواء عباس كامل، خلال العامين الماضيين. ولم يعد نجل السيسي، الذي كان يقيم بصورة شبه دائمة في مقرّ المخابرات، يتردّد عليه منذ أيام. وشكّل خروج محمود، الذي ترقّى بطريقة استثنائية ونال نفوذاً واسعاً في الجهاز خلال الأسابيع الماضية، مفاجأة وصدمة، ولا سيما أنه كان جزءاً من مادة المقاول والفنان الهارب محمد علي. وتبع ذلك حديث حامٍ عن إمكانية الإطاحة بالمقدّم أحمد شعبان، الذراع اليمنى لكامل، بسبب الغضب من تفرّده بالقرارات التي تتّسم بالتخبّط، ما أدى إلى خسائر في مجال الإعلام وغيره من الملفات التي يديرها ويتدخل فيها بطريقة فجّة ومن دون دراسة.تسبّب إخفاق شعبان في إدارة عدد من الشؤون المتعلقة بالعلاقات المصرية - الإماراتية بتولّد احتقان كبير ضده، وهو ما دفع نجل السيسي إلى طلب تقرير رُفع بالفعل إلى مكتب الرئيس عن إخفاقات الرجل، ليس في الملفات التي أُسنِدت إليه فقط، بل في ما يتعلق بإدارة بعض الأمور المرتبطة بالعسكريين، في خطوة اعتُبر أنها ستقضي على المقدّم. ويتردّد في المكتبين اللذين يتنقّل ما بينهما شعبان (أحدهما في القاهرة والآخر في ضاحية مصر الجديدة) أن الرجل بات قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، وتحديداً عند انتهاء «منتدى شباب العالم» بنسخته الثالثة التي تُقام الشهر المقبل في شرم الشيخ، والذي يشرف هو على تنظيمه مباشرة عبر شباب «البرنامج الرئاسي» الذين اختارهم بنفسه ويتابع ما يقومون به. وعلى رغم تردّد إشاعات سابقاً عن إطاحته، فإن هذه المرة تحمل مؤشرات على فقدانه السيطرة على الملفات؛ إذ أن المقدّم الذي كانت له الكلمة الأولى والأخيرة في الملفين الإعلامي والفني لم يعد كذلك، ولا سيما بعدما أخفقت خططه المتتالية، بداية من شبكة قنوات «dmc» التي أطلقها، وصولاً إلى إدارته بقية المحطات التي تم الاستحواذ عليها خلال العامين الماضيين، والتي سُجّل عزوف لدى المصريين عن متابعتها، الأمر الذي دفع القائمين عليها إلى تقديم محتواهم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات مدفوعة الأجر.
بات ملف المقدّم شعبان، الذراع اليمنى لمدير الجهاز، على طاولة الرئيس


ما يتردد الآن بقوة، وبدأت مؤشراته تظهر، هو عودة المخابرات إلى التعاون والتنسيق مع الخبراء والمتخصّصين الذين جرى إقصاؤهم في السنوات الماضية لمصلحة «أهل الثقة» الذين استعان بهم شعبان من دون أن يُفلحوا في مهامّهم. في المقابل، يحاول المقدّم تشويه صورة المخضرمين أمام الرأي العام بإثارة موضوعات قديمة، وهو ما تكرر أخيراً مع شخصيات عدة عبر بعض المنصات الإعلامية، وفي مقدّمتها موقع «القاهرة 24» (يديره صحافي من أبناء «اليوم السابع»)، وموقع «الرئيس» التابع لمؤسسة «الدستور»، والتي يديرها شعبان أيضاً بالتنسيق مع رئيس مجلس إدارتها، محمد الباز، المُرقّى أخيراً إلى رئاسة مجلس إدارة مؤسسات عدة، على خلفية ولائه الكامل للنظام. كذلك، يدير شعبان المنظومة الإعلامية عبر غروبات «واتسآب» بطريقة أغضبت كثيرين» إذ باتت عناوين الصحف اليومية تخرج كما هي من دون تغيير، فيما بعض المواقع مثل «القاهرة 24» تصل إليها المعلومات بصورة منفردة، ويُطلب منها أن تنشر موضوعات تستهدف شخصيات محدّدة لاغتيالها معنوياً. يضاف إلى ما تقدّم أن شعبان كان يسرّب معلومات إلى المواقع التي منحها إعلانات بالأمر المباشر من جهات حكومية كـ«الشركة المصرية للاتصالات»، ويُصدر إليها توجيهات، ثم يجبرها على حذف الأخبار بعد انتشارها لمجرد اختبار الرأي العام. وإلى أبعد من ذلك كان يذهب بحجب المعلومات عن الصحف القومية ومنع نشر أسماء الوزراء وصورهم، مقابل منح حصرية للمقرّبين منه، وهو ما سبّب حالة من الضيق لدى القائمين على منظومة الإعلام ولا سيما داخل المؤسسات العريقة.
ومن بين مؤشرات الاستعانة بالمستبعَدين من أصحاب الخبرة، عودة الشراكة الإنتاجية بين «إعلام المصريين» التي تمتلكها المخابرات، و«العدل غروب» التي عوقبت العام الماضي ومُنعت من العمل بقرار شخصي من شعبان، وهي واحدة من أعرق شركات الإنتاج الدرامي على الصعيد العربي. ولن تعود «العدل غروب» بمفردها، بل إلى جانبها شركات أخرى بالشراكة مع «إعلام المصريين» وليس كإنتاج منفرد، وهذا تنازل كان يرفض شعبان تقديمه. كما يتردّد الآن أن رجل الأعمال محمد الأمين، الذي أُقصي جبراً من ملكية شبكة قنوات «cbc»، تُعرَض عليه العودة مجدداً، شأنه شأن شخصيات أخرى تم التواصل معها أخيراً، بعضها مباشرة وبعضها على طريقة جسّ النبض. لكن ظهور الصحافي ياسر رزق (المرشح لرئاسة «المجلس الأعلى للإعلام» والمقرّب من الرئيس) على الشاشات التابعة لـ«إعلام المصريين» يظهر أكبر تأكيد لفقدان شعبان سلطته، خاصة أن الأخير هو من منعه بنفسه سابقاً من الظهور.
في النتيجة، المقدّم، صاحب فكرة الاحتكار للدولة والإقصاء الكامل لرجال الأعمال، هو نفسه الذي بدأت الدولة تخالف رأيه، الأمر الذي سيكون كفيلاً بإعادة عدد من الشخصيات التي أقصاها حتى في مجال العقارات، ومنها مثلاً رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الذي سيعود قريباً وبقوة، لتسترجع الدولة بذلك مبدأ المشاركة مع رجال الأعمال، على عكس ما فرضه شعبان. لكن ثمّة من يرى أن خطط التطوير التي يَعِدُ بها الرجل ستكون الفرصة الأخيرة له، والتي ستظهر نتائجها الشهر المقبل عبر القنوات الخاصة، وبداية السنة عبر التلفزيون الرسمي. مع هذا، يعتقد كثيرون أن الوقت فات شعبان لتصحيح أخطاء الماضي، وهو ما يعني أن الاحتمالات مفتوحة في شأن الهيكلة في المخابرات، ليس بإعادة النظر في أولويات الجهاز ومَهامه لاحقاً، بل في الشخصيات القائمة عليه.