القاهرة | استباقاً لجلسة المراجعة الدورية الشاملة لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان في جنيف الأسبوع الجاري، أطلقت الدولة حملة لتجميل وجهها إعلامياً، في ظلّ الضغوط الحقوقية المحلية والدولية عليها لتنفيذ إصلاحات مرتبطة بالحريات وأوضاع السجون. ونظّمت وزارة الداخلية، في سجن طرّة، «المنتدى الثالث للسجون»، والذي حرصت على توجيه دعوات إلى صحافيين أجانب وعرب ومصريين للمشاركة فيه، ومعاينة السجن الأكثر شهرة في «المحروسة» كونه ضمّ الرئيس الراحل محمد مرسي. منتدىً أرادت «الداخلية» من خلاله التأكيد أن جميع نزلاء السجن الواقع في ضاحية المعادي في العاصمة يتمتعون بحياة آدمية.لكن الوزارة، التي فتحت أبواب السجن على مصاريعها، احتجزت نسبة كبيرة من المحبوسين في زنزاناتهم، ومنعتهم من الخروج خلال الزيارة، ومنهم رئيس حزب «مصر القوية» عبد المنعم أبو الفتوح، المحبوس احتياطياً على ذمّة قضايا سياسية بموجب قرارات تجديد تلقائية من دون أحكام قضائية في حقه، فيما ظهر حازم عبد العظيم، الذي كان مسؤول «لجنة الشباب» في حملة السيسي الرئاسية عام 2014 قبل أن يُسجن لاحقاً، ليتحدث عن مشكلات مرتبطة بغياب أسرّة ينام عليها المساجين، ووجود مساحة أقل من 1.5 متر لكلّ منهم في الزنازين المتكدّسة. أما في التصريحات الرسمية، فتقول «الداخلية» إنها تُولي عناية خاصة للمحتجزين، إلى درجة أن الغداء المُعدّ لهم تم تقديمه مُغلّفاً أمام كاميرات المصورين، فيما ظهر «شيف» يشوي اللحوم على النار! كما تضمّنت الزيارة مشاهدة الأصناف اليومية التي يتناولها المساجين، مع أنها وجبات لا تُصرف عادة كما هي مدوّنة وفق القرارات الوزارية المختلفة.
تستبق الزيارة الإعلامية عرض ملف مصر الحقوقي في جنيف


المفارقة أن الوزارة اختارت يوم الإثنين للزيارة، وهو اليوم الذي تُوزَّع فيه اللحمة على المحبوسين مع الفاكهة؛ فظهر الكباب المشويّ على الفحم، إلى جانب أطباق الفاكهة المغلّفة والتي تَوسّطها الأناناس، ما أظهر مطعم السجن وكأنه جزء من حفل غداء في حدائق إحدى الفيلات أو الفنادق الكبرى. واستقبل المصريون الحدث بسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما لناحية شروط الاستضافة في السجن الذي بدا أقرب إلى مزرعة خاصة، بعد إظهار مزرعة النعام الموجودة داخله إلى جانب مزارع أخرى يعمل المحبوسون فيها. كلّها ترتيبات أشرف على التحضير لها وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، شخصياً قبل الزيارة، علماً أنه لم يحضر المنتدى.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فركّزت الزيارة على الردّ على الانتقادات في شأن الرعاية الطبية، ولذلك زار الوفد المستشفى، وهو ما حرصت الوزارة على إبرازه بتوجيه الزائرين إلى لقاء أحد المتّهمين المنتمين إلى جماعة «الإخوان المسلمين». وهنا، ظهر مستشفى السجن في أبهى صوره، كأنه - وهو الذي يعاني الإهمال في النظافة ونقص الأجهزة والرعاية الطبية - صار فجأة مستشفى فاخراً ومجهّزاً بأحدث الوسائل العلاجية، في صورة أرادت «الداخلية» تصديرها إلى الإعلام لنفي تهمة الإهمال الطبي الذي تقول تقارير حقوقية إنه يتسبب في مقتل العشرات. وكالعادة، أفادت روايات لأقارب المحبوسين بأن المشهد «النظيف» أُخرج بموجب مساومة مع بعض المحبوسين، شملت السماح لهم بزيارات أسبوعية وثلاث ساعات للتريّض خارج الزنزانة، فضلاً عن عملهم في مهن يمكن أن يستفيدوا منها بعد خروجهم من السجن.
على رغم كلّ ما تقدم، لا يبدو أن الدولة ستُفلح في تغيير سمعة السجون التي ينتظر أمامها مئات الأهالي يومياً لزيارة ذويهم ويتعرضون لإهانات في سبيل ذلك، في ما يناقض حفلة الاستعراض الذي بدا فيه «طرة» وكأنه فندق 5 نجوم. وإن كان الهدف الأساس من الزيارة تَحقّق بمستويات مختلفة، إلا أن هذا لا يضمن النتائج. صحيح أن وسائل الإعلام سارعت إلى تلبية الدعوة لزيارة السجن والتي أظهرت صورة من شأنها دعم موقف الوفد المصري الذي وصل إلى جنيف استعداداً لفتح الملف الحقوقي، إلا أن الانتقادات الحادّة وأبرزها من «منظمة العفو الدولية» تظلّ أقوى من حفلة الاستعراض تلك.