في هذا السياق، يرى الخبير في قانون المياه في البنك الدولي، سلمان محمد سلمان، أن الوساطة الأميركية لن تكون في الملفات الشائكة بل في المسائل التفصيلية، أي أنه سيكون «دوراً تسهيلياً وليس ملزماً... واشنطن تعلم أنها لا تمتلك لا الأدوات ولا القانون الذي يمكنها من فرض حلول». ويتشارك سلمان الرأي حول فكرة «سحب البساط من الروس»، مضيفاً في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأميركيين والأوروبيين انتبهوا إلى الدور الذي تحاول روسيا لعبه في حوض النيل مثلما موّلت في خمسينيات القرن الماضي (عهد الاتحاد السوفياتي) مشروع السد العالي». وبشأن التوقعات، يرى أن واشنطن أمام «مواقف جاهزة» للدول الثلاث، فمصر تقترح عشر سنوات لملء السد، فيما تتمسك إثيوبيا بأربعة أعوام، أما السودان، فطرح حلاً وسطاً هو سبع سنوات. وبالنسبة إلى كمية المياه المحتجزة وراء السد، تتمسك القاهرة بإطلاق أديس أبابا 40 مليار متر مكعب خلال العام، فيما تريد الأخيرة السماح بمرور 30 ملياراً والخرطوم أيضاً اقترحت 35 ملياراً.
تدخّل واشنطن سببه الأساس «قطع الطريق» على موسكو
ما يبدو واضحاً حتى اللحظة تعويل الدبلوماسية المصرية على تغليب واشنطن مصلحة «المحروسة» على باقي الدول، وقد مهّد لذلك السيسي بوصف ترامب بأنه «رجل من طراز فريد، ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات والتعامل معها وإيجاد حلول حاسمة»، كما شكر الرئيس المصري نظيره لرعايته المفاوضات. وقالت الرئاسة المصرية في بيان، إن السيسي أجرى اتصالاً بترامب أكد فيه الأخير «اهتمامه الشخصي وحرصه البالغ على نجاح المفاوضات»، وأنه سيستقبل شخصياً الوزراء في البيت الأبيض. مع هذا، يقلّل بعض المتابعين من التأثير الأميركي في أديس أبابا التي مضت بعيداً في تشييد السد، ولاسيما أنه من المتوقّع التشغيل الكلي له عام 2022. لكن لماذا قبل أحمد وساطة واشنطن، ولاسيما بعد تعليق الجانب المصري التفاوض والتلميح الإثيوبي إلى الاستعداد للحرب. يجيب مراقبون أن رئيس الوزراء الإثيوبي سيتقوّى أمام الأميركيين بالحجج الإنسانية وحاجة شعبه إلى تشييد ذلك السد لتوفير 6.45 غيغاوات من الكهرباء، وآثار ذلك في إنعاش اقتصاد البلد الضعيف. كذلك، يصعب على إثيوبيا، مثل دول كثيرة، رفض الوساطة الأميركية فضلاً عن أنها تصنّف بمرتبة الحليف لديها، وتتلقّى النسبة الأعلى من المساعدات بين دول القرن الأفريقي، وأكثر حتى من مصر.
من يؤخذ عليه قبول هذه الوساطة، في رأي مسؤولين، هو الخرطوم التي سبق أن رفضت في مطلع 2018 مقترحاً مصرياً بإشراك «البنك الدولي» كـ«وسيط محايد» في أعمال «اللجنة الثلاثية». هنا يقول مصدر دبلوماسي سوداني، إن قبول الحكومة السودانية وساطة واشنطن «غير منطقي» ما دامت تعلم أن الأخيرة تسعى إلى خدمة حليفها في المنطقة، أي السيسي، متسائلاً: «إذا كانت حكومة عبد الله حمدوك تسعى إلى كسب ود الإدارة الأميركية، فلماذا تقبل إثيوبيا ذلك؟».