القاهرة | لم يكن التصعيد المصري في ملف مفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي مفاجئاً للدوائر القريبة من الأجهزة الأمنية، وبخاصة جهاز المخابرات العامة بقيادة اللواء عباس كامل، الذي قرر بنفسه إعادة إحياء قضية السدّ إعلامياً، في محاولة للسيطرة على الوضع الداخلي بعد الاتهامات التي طاولت الجيش والرئيس عبد الفتاح السيسي بالفساد خلال الأسبوعين الأخيرين، مترافقةً مع تخوف من تفاقم الأوضاع، خاصة في ظلّ دعوات عديدة إلى التظاهر. وتقول مصادر مطلعة إن التصعيد تقرّر بناءً على مذكرة قدّمتها المخابرات إلى السيسي قبيل انعقاد «المؤتمر الوطني للشباب» السبت الماضي (حيث ردّ الرئيس على اتهامات المقاول الهارب محمد علي)، وضمّنتها تأكيدات أن الرهان على ملف «النهضة» سيكون الركيزة الأساسية للدفاع عن الرئاسة، ولا سيما في حال إحراز تقدم ملحوظ في المفاوضات المُعلّقة منذ العام الفائت. ومنذ زيارة وزير الخارجية سامح شكري، ومدير المخابرات كامل، إلى أديس أبابا في آب/ أغسطس 2018 (عقب إعلان الإثيوبيين تأخر الانتهاء من بناء السدّ بسبب مشكلات تقنية في التنفيذ وعمليات فساد شابت المشروع)، لم تُعقد أي لقاءات لمناقشة الأمر، باستثناء اجتماع وزراء الريّ في مصر والسودان وإثيوبيا بداية الأسبوع الجاري.
يهدف تصعيد قضية «النهضة» إلى إشغال المصريين عن التظاهر

ومهّدت القاهرة للتصعيد ضد أديس أبابا خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد الأسبوع الماضي. وتسعى مصر إلى إجبار إثيوبيا على تأجيل ملء الخزان الخاص بالسدّ حتى التوافق على المدة التي سيتم فيها تخزين 76 مليار متر مكعب من المياه. وترغب القاهرة في أن تكون عملية التخزين على مدى عشر سنوات كي لا تتأثر الحصة المائية لها بصورة كبيرة. وعلى رغم أنها تسعى إلى تفاوض جدي مع أديس أبابا، إلا أن الإثيوبيين لم يقدموا أي تنازلات خلال المفاوضات. وفي موازاة إعادة تحريك مياه التفاوض، تنوي الأجهزة الأمنية تفعيل الأزمة داخلياً على أنها قضية تتطلّب التفاف الشعب حول قيادته الآن والتغاضي عن أي دعوات إلى التظاهر، مع أنه لم تصدر بعد تعليمات واضحة للإعلام بالتركيز على القضية «تجنّباً للبلبلة مع الجانب الإثيوبي الذي لا يزال يلتزم بتصريحات منضبطة على المستوى الدبلوماسي حتى الآن»، كما تنقل المصادر نفسها، في ظلّ توقعات بعقد لقاء بين السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
كذلك، ثمة رهان مصري على السودان ما بعد عمر البشير، خاصة أن الرئيس المخلوع كان متعاوناً مع إثيوبيا ضد الموقف المصري على مدار العامين الماضيين، كما تقول الأجهزة السيادية التي أوصت بإنشاء علاقات قوية مع «المجلس السيادي»، ولا سيما المكوّن العسكري فيه. ولذلك، حرص شكري على أن يكون من أول زوّار السودان، حيث ناقش في زيارته مطلع الشهر الجاري قضايا عديدة، من بينها موضوع «النهضة»، وضمان انحياز النظام الجديد إلى القاهرة فيه، على رغم التقارب الشديد بين الخرطوم وأديس أبابا خلال الأشهر الماضية. ويزور رئيس الوزراء السوداني الجديد، عبد الله حمدوك، القاهرة اليوم (الأربعاء)، لمناقشة قضايا في مقدمتها ملف السدّ، علماً بأن زيارته هي الثانية له خارجياً بعد توليه منصبه، إذ كان زار ابتداءً عاصمة جنوب السودان جوبا، واليوم يأتي على وقع وعود مصرية بالمساعدة على جميع المستويات خلال المرحلة الانتقالية. وتحطّ طائرة حمدوك في القاهرة لساعات فقط، يلتقي خلالها السيسي وشكري وعدداً من المسؤولين قبل أن يتوجه إلى باريس.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، أمس، أكد شكري أن «الهدف ليس انعقاد مفاوضات (بشأن «النهضة») متتالية لا تصل إلى نتائج»، داعياً إلى الابتعاد عن «أي تأويل سياسي، وأي فرض لإرادة أو لأمر واقع... (يجب أن) تكون النتيجة بما يحقق مصلحة الدول الثلاث بشكل متساوٍ... ويحافظ على مصالح دولتَي المصبّ وما يشكله نهر النيل من مصدر وحيد للمياه لمصر». وأضاف أن «ما تم الاتفاق عليه من جولات لانعقاد اللجنة الفنية العلمية المستقلة نأمل ألا يكون هدفه المزيد من الإطار التفاوضي من دون وقت محدد للوصول إلى هدف». أما لودريان، الآتي من الخرطوم، فقال إنه بحث تطورات الملفين الفلسطيني والليبي خلال لقائه السيسي، مشدداً على ضرورة «وقف التصعيد» في الخليج.