القاهرة | انتحر مأمور قسم مدينة الشروق، العميد أيمن أبو طالب، وهو المسؤول الأول عن قسم الشرطة في المدينة الواقعة شرقي القاهرة، بعد مشادّة بينه وبين ضابط أعلى منه، كان يتناقش معه في التعليمات. التفاصيل الكاملة لعملية انتحار أبو طالب، الذي أطلق النار على نفسه داخل مكتبه، لم تكشفها وزارة الداخلية المصرية، بل إن الأخيرة سارعت، في بيان منسوب إلى مصدر أمني، إلى نفي شبهة الانتحار بشكل قاطع، قائلة إن ما حدث لم يكن سوى نتيجة خطأ من المأمور خلال تنظيفه السلاح الميري الخاص به.تبريرٌ لم يكن مقنعاً بالنظر إلى الطريقة التي عُثر على أبو طالب مقتولاً بها، في وقت أمرت فيه النيابة بدفن الجثمان بعد ساعات قليلة من اكتشاف الواقعة، وفي أعقاب معاينته في مصلحة الطب الشرعي من أجل تحديد أسباب الوفاة، علماً بأن هذا الإجراء عادة ما يستغرق أسبوعاً تقريباً. كذلك، وجّه وزير الداخلية بالتحقيق الداخلي في الواقعة وموافاته بتفاصيلها قبل بداية الأسبوع المقبل، خصوصاً أن الضابط المنتحر من الضباط المعروفين بكفاءتهم، ولم تتمّ إحالته إلى التقاعد بناءً على التقارير الدورية الخاصة به، خلافاً لما حدث لعدد من أبناء دفعته في حركة التنقلات الأخيرة التي أجراها وزير الداخلية الشهر الماضي.
تبدو حالة المأمور حالة فردية لا تتكرر في أقسام الشرطة، لكنها تفتح تساؤلات عديدة عن وضع عدد ليس بالقليل من الضباط الذين لا يرغبون في الاستمرار في أعمالهم، أو الذين يواجهون مشكلات كبيرة نتيجة تعسف رؤسائهم، ولا سيما أن وزارة الداخلية شهدت في العامين الأخيرين تزايداً في استقالات الضباط، في حالات كانت توصف بالفردية. ولا يوجد إحصاء واضح للضباط الذين تم فصلهم نتيجة انقطاعهم عن الانتظام في العمل، كما لا يوجد إحصاء للضباط المستقيلين من العمل في الوزارة؛ إذ إن حركة التنقلات والتعيينات والاستقالات من الأمور السرية في «الداخلية»، التي ينضمّ إلى العمل فيها سنوياً نحو ألفي ضابط ما بين متخصصين ومتخرّجي أكاديمية الشرطة، وهو عدد أكبر بكثير مما كانت تستقبله قبل سنوات.
ولا يزال الالتحاق بكلية الشرطة حلماً يراود أعداداً كبيرة من الشبان، على اعتبار أن العمل في «الداخلية» يوفر وظيفة مضمونة وخدمة طبية مميزة، إضافة إلى مكانة مجتمعية تمكّن الضابط من تجاوز أي عقبات تواجهه. لكن في المقابل، يجد آخرون الواقع مغايراً بعد التخرج، وهو ما يدفعهم إلى التقدم بالاستقالة، علماً بأن شروط الكلية تجعلهم ينتظرون عدداً محدداً من السنوات قبل قبول استقالاتهم. في «الداخلية» لا أحد معصوماً من الاستبعاد، فجميع المفاجآت واردة، بدءاً من الوزير الذي يقال بقرار رئاسي، وصولاً إلى أصغر ضابط قد يتسبب تشاجره مع ضابط أعلى منه في الرتبة، أو آخر لديه أقارب في دوائر صنع القرار في الوزارة أو الأمن الوطني وقادر على التنكيل بزميله، بإقصائه إلى الأماكن النائية التي لا يقبل من لديهم وساطة العمل فيها. كذلك، يتعامل الضباط، حتى بعضهم مع بعض، بالحسّ الأمني، فالزملاء في مكان عمل واحد ثمة من بينهم من يقوم بكتابة التقارير، ومنهم من يسعى إلى التقرب لرؤسائه بتقديم معلومات عن أحاديث زملائه، بينما تبقى المشاكل والجزاءات التي يتم توقيعها من الأسرار التي لا تعلن عنها الوزارة إلا في حالات نادرة.