عندما وقف عبد الفتاح السيسي، وهو وزير للدفاع، للإدلاء بـ«بيان 3 يوليو» الشهير، الذي تضمن «خريطة المرحلة الانتقالية» مبدئياً، من دون إعلان عزل الرئيس المنتخب (الراحل) محمد مرسي، بل إقصاؤه من المشهد بالكامل، كان بجواره عدد من الشخصيات التي استند إليها في تبرير الانقلاب. في مقدمة هؤلاء المدير السابق لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، محمد البرادعي، الذي كان قد قدم استقالته بعد أقلّ من شهرين على تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية احتجاجاً على استخدام العنف في فضّ الاعتصامات المؤيدة للرئيس الإسلامي. كان البرادعي أقرب للوصول إلى «صيغة توافقية تعيد إشراك الإخوان في النظام السياسي»، ولا سيما في ظلّ دعم الإسلاميين من «حزب النور» لتحركات الجيش. لكن هذه الصيغة أخفقت بعد العنف الذي أسفر عن وفاة وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف مصري. بعدها، أُجبر على السفر إلى فيينا حيث يقيم هناك منذ 2013، من دون أن يستطيع العودة إلى البلاد، إثر بلاغات ضده واتهامات، منها «الخيانة ومساندة الإخوان»، فضلاً عن التشويه المتعمّد لصورته إعلامياً.
بينما هرب البرادعي، وأُقيل صبحي، يوشك الطيب على المغادرة

قد تبدو قصة البرادعي مفهومة، لكنّ شخصاً مثل رئيس الأركان، صدقي صبحي، الذي دعم السيسي وترقى إلى منصب وزير الدفاع، أُقيل هو الآخر من منصبه العام الماضي مع بداية الولاية الثانية لـ«الجنرال». مع ذلك، خرج بصورة مشرّفة وعُيّن مستشاراً شرفياً للرئيس. أيضاً، حزب «النور» الذي كان حاضراً بأمينه العام آنذاك، جلال مرّة، صار بعيداً عن السياسة، واضطر مجبراً إلى تبنّي مواقف داعمة للدولة تحت التهديد بالتجميد وتوقيف الأعضاء. كذلك خسر «النور» الغالبية الثانية التي كان يتمتع بها في برلمان 2015، وصار أعضاؤه وقادته ممنوعين من الظهور في وسائل الإعلام، إلا باستثناءات قليلة ومحدودة. أما شيخ الأزهر، أحمد الطيب، فهو الآن قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عن منصبه، بعد سنوات من الشدّ والجذب بينه وبين السيسي. ولا يُغفل، في هذا السياق، البابا تواضروس الثاني الذي يتعرض للانتقادات من الأقباط بسبب مواقفه السياسية التي لا تعارض الدولة مطلقاً، حتى في وقائع الاعتداءات التي تصيب الكنائس وتستهدف الأديرة. فالبابا لا يتأخر عن إعلان دعمه السيسي ومساندته، بل إصدار خبر فحواه تقبّله عزاء الرئيس في الضحايا حتى قبل أن يقدّمه الأخير!
مثال آخر هو «جبهة الإنقاذ»، التي ساندت السيسي داخلياً وخارجياً، وباتت شخصيات كثيرة فيها غائبة كلياً عن الساحة. منهم مثلاً رئيس «حزب الوفد» في 2013 السيد البدوي، الذي يواجه اتهامات بالفساد المالي، وصدرت بحقه أحكام قضائية لم تُنفذ بسبب دعمه من جهات سيادية. أما عمرو موسى، الذي ترأس «لجنة إعداد الدستور»، فهو موجود في أوقات محددة وبناءً على طلب مسؤولي الدولة، مع الأخذ في الاعتبار أن موسى، الذي ترشح في انتخابات 2012، أكد أنه لا يعتزم الترشح مجدداً لانتخابات الرئاسة، جراء ضغوط تعرض لها.
بعد كل هذا، يمكن الحديث عن نموذج واحد مختلف هو محمود بدر الذي قاد «حركة تمرد» مع اثنين من زملائه ضد مرسي. صار هذا الشاب الثلاثيني نائباً في البرلمان، مع أنه لم يكن يجد فرصة عمل جيدة. اليوم، على رغم ارتفاع الأسعار والتحولات الاقتصادية الأخيرة، يملك بدر سيارة فارهة، ولديه حراسة خاصة، من دون أن يكون له مجال عمل معروف.