القاهرة | بدلاً من نظام الخصخصة القائم على بيع شركات الحكومة المصرية للقطاع الخاص بالكامل، وهو المشروع الذي واجه انتقادات ولاحقْته شبهات فساد، لجأت الحكومة حالياً إلى طرح الشركات الناجحة فقط في البورصة، من أصل شركات وبنوك كانت على طريق الخصخصة إبّان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن الإجراءات الخاصة بها توقفت لأسباب، منها الأحكام القضائية التي أبطلت عقود بيع جزء منها، بل قررت إعادتها للدولة.ففي عهد عبد الفتاح السيسي، تعمل الدولة منذ مدة على التخطيط لإعادة البيع، لكن هذه المرة مع احتفاظها بحصة كبيرة في هذه الشركات، عبر إدراجها في البورصة المصرية، وهي الخطوة التي تأجّلت أكثر من مرة بسبب غياب الاتفاق على آلية الطرح والنسب، وغيرها من التفاصيل الفنية التي تريد الحكومة بها تحقيق أقصى استفادة، علماً بأن بعض الشركات موجود بالفعل في البورصة وللدولة فيه أسهم، فيما هناك أخرى غير مدرجة.
في المحصلة، تقول مصادر اقتصادية إن الحكومة فضّلت أن يجري الطرح في البورصة بواسطة شركة «هيرمس» للأوراق المالية، التي سبق أن تورّطت في التلاعب بأوراق البورصة المصرية مع نجلَي مبارك، علاء وجمال، في قضية لا تزال منظورة أمام القضاء حتى الآن، إذ أسهمت في التلاعب بأموال نجلَي الرئيس المخلوع وتهريبها إلى الخارج. واللافت أن الدولة اختارت أن تنفذ عملية الطرح الأولى رغم تراجع مؤشرات البورصة، مُفضّلة الدفع بأسهم «الشرقية للدخان» التي تسدّد وحدها ضرائب تصل إلى 20% من إجمالي الضرائب المُسدّدة من الشركات سنوياً، لكنها أجّلت طروحات لشركات أخرى في مقدمتها «انبي للبترول» و«بنك القاهرة» بحجة انتظار «توقيت مناسب» من أجل إنعاش حركة التداول في البورصة، وهو ما لم يحدث بسبب الطرح المفاجئ.
اشترى أسهم «الشرقية للدخان» أجانب (70%) وسعوديون وإماراتيون (30%)


الترقب الذي ساد عملية الطرح الأول لأسهم «الشرقية للدخان» يعبّر ـــ كما يرى اقتصاديون ــــ عن عزم الحكومة على الاستمرار في اتباع سياسة لا علاقة لها بالشفافية في التعاملات المالية، بل تؤدي إلى خسارة الملايين، وربما المليارات مستقبلاً، بسبب السعي إلى تفضيل مساهمين على حساب آخرين، إذ فضّلت أن يكون عرض نسبة 4.5% من شركة الدخان، التي تعتبر من أكثر الشركات ربحاً، عبر طرح استثنائي خاص في مساء آخر يوم من الأسبوع (الخميس)، لتستحوذ في النتيجة صناديق سيادية ومؤسسات مالية وصناديق استثمار على 95% من الأسهم المطروحة للبيع، في خطوة جرت من دون إعلان مسبق.
هذه الخطوة جعلت الحكومة تخسر ملايين الجنيهات بسبب سعر بيع السهم الذي جرى على أساس 17 جنيهاً فقط (نحو دولار)، في وقت كان فيه التقييم المبدئي لسعر السهم ما بين 16 و20 جنيهاً، وهو ما يعكس عدم صحة تبرير الحكومة لاحقاً، عندما قالت وزارة قطاع الأعمال إن الطرح استهدف فئات من المستثمرين يمكنها تقدير سعر السهم جيداً، خاصة أن «الشرقية للدخان» من «الشركات الرابحة للغاية».
واللافت أن دراسات عديدة قدّرت سعر سهم هذه الشركة بأنه لا يقلّ عن 19 جنيهاً، وهو ما يعني أن الحكومة خسرت في الطرح قرابة 700 مليون جنيه (40 مليون دولار)، في وقت ذهبت فيه الأسهم إلى مستثمرين أجانب بنسبة 70%، وسعوديين وإماراتيين بنسبة 30%، على رأسهم رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار. أيضاً، يمكن فهم الخسارة الحكومية الرسمية من التصريحات المتضاربة للمسؤولين حول هذا الأمر، بداية من وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، الذي أكد قبل عام أن ما سيطرح للبيع سيجذب نحو 3 مليارات جنيه، لكن القيمة الفعلية لما تمّ بيعه هي 1.8 مليار، بل هي أقلّ حتى بـ700 مليون جنيه من تصريحات مسؤول في «الشرقية للدخان» قبل أشهر، حينما قال إن الحصيلة ستصل إلى 2.5 مليار، وهي القيمة التي كان يمكن تحصيلها فعلياً لو تمّ البيع بـ19 جنيهاً للسهم.