القاهرة | منذ تعيين رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في منصبه، ازداد اهتمام الحكومة بنفي إشاعات يتبين لاحقاً أنها هي نفسها وراء اختلاق غالبيتها، إلى حدّ أن صحافيين رصدوا تورّط الحكومة أكثر من مرة في نفي أمور حقيقية حدثت بالفعل بعد ذلك. هكذا، صار نفي الإشاعات دليلاً في بعض الأحيان على وقوع أمر ما، علماً أن مَن يتصدر هذا الدور مستشار رئيس الوزراء للإعلام، هاني يونس، وهو صحافي في «الأهرام» الرسمية.لا يتوقف «مركز مواجهة الشائعات»، برئاسة يونس، عن نفي إشاعات «غريبة»، منها على سبيل المثال قضية إصدار عملات فضية من فئات نقدية، أو تبديلات في السلع التموينية، أو تغييرات في مواعيد القطارات، وصولاً إلى قضايا جدية مثل تغيير أسعار المحروقات كما حدث في موضوع «بنزين 95» الذي تقرّر تحرير سعره السوقي وفق آلية حكومية تضْمن بيعه في المحطات بالسعر العالمي بدءاً من نيسان/ أبريل المقبل.
في هذا السياق، ينفي «مواجهة الشائعات» أخباراً عن نية الحكومة إلغاء الدعم كلياً في ملفَي الكهرباء والمحروقات، لكن هذا يبدو كجرعة مهدئّة في ظلّ خطة موجودة ومعتمدة من البرلمان لإلغاء الدعم. أيضاً، ينفي المركز نفسه توقف الحكومة عن التعيينات، في وقت صار ثابتاً فيه أن العمل الحكومي مقيّد بضوابط صارمة لا تسمح بالتعيين بل بالتعاقدات لمدد محدّدة، وبأجور أقلّ من القطاع الخاص، وفوق ذلك لا أحقية للمتعاقدين بالتعيين الدائم مستقبلاً.
موضوع آخر مارست فيه الحكومة الأسلوب نفسه، فبينما تنفي نيتها التخلّص من ملايين الموظفين في الدولة خلال السنوات الخمس المقبلة، تضع امتيازات للمعاش المبكر، فضلاً عن وجود ملايين سيخرجون بالفعل بحكم تقاعدهم مع بلوغهم سنّ الستين حتى 2022، وفق الأرقام والإحصاءات الموجودة في المراكز الحكومية المختلفة.
بعيداً من القرارات والخطط، تختلق الحكومة الإشاعات، وتقتطع أحاديث بعض المذيعين في قنوات جماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة، وتبني عليها لتقول إن هؤلاء يروّجون لأكاذيب تمسّ الأمن القومي. صحيح أن ما يقوله هؤلاء يحمل عادة مبالغات بحكم عدائهم للنظام، لكن الإعلام الرسمي يفعل النقيض تماماً، وذلك بإظهار الحياة في البلد وكأنها بلا مشكلات، أو وكأن المواطن يعيش في سعادة ولا يواجه سوى صعوبات محدودة، مع أنه يمكن لأي شخص أن يلمس في الشارع حالة غضب حادة تجاه النظام من ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة، بل الانتقادات اليومية المعلنة بحقّ الرئيس والحكومة.
في المحصّلة، حوّلت الحكومة الإشاعات، عبر مركز المواجهة، لتكون نقطة تشغل بها الرأي العام عن قضايا معينة، فيما تصدّر ملفات أخرى، إلى حدّ أنها باتت تصدر تقارير أسبوعية وأحياناً مرتين في الأسبوعين لنفي إشاعات ربما لم يسمع بها سوى مسؤولي الدولة، بل إن بعض القنوات المملوكة للأجهزة الأمنية أطلقت برامج ومواد دعائية تنفي فيها الإشاعات على نحو أدى إلى العكس، أي ساهم في نشرها.
في المقابل، وسط حالة الضبابية في الحصول على المعلومات، والتعتيم غير المسبوق على الأوضاع الداخلية والأحداث في الشارع (بفضل السيطرة الأمنية على مختلف وسائل الإعلام داخل مصر)، صارت مواقع التواصل الاجتماعي المنبر الوحيد للحصول على المعلومات. صحيح أن بعض الصفحات التي تبثّ من الخارج تبالغ في بعض الأرقام، لكن هذه المبالغة لا تجد من يردّ عليها داخلياً في ظلّ تأخر خروج المعلومات الرسمية عن بعض الحوادث (مثل الاعتداءات الإرهابية) بالساعات، وربما بالأيام.
في سياق ذي صلة، علمت «الأخبار» أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب من مدبولي البقاء في العاصمة ما دام الأول فيها، لمناقشته في أي أمور طارئة، طالباً إليه أن تنحصر جولاته على المحافظات بالوقت الذي يكون فيه السيسي خارج البلاد. ووفق مصدر رسمي، أكد رئيس الوزراء التزامه البقاء في القاهرة، وألا تتخطى جولاته مع وجود السيسي القاهرة الكبرى ومحيطها، فيما يقوم بزياراته خارجها خلال سفر الرئيس.
من جهة أخرى، أظهرت التغطية الإعلامية أن زوجة الرئيس، انتصار السيسي، كانت موجودة في الوفد الرسمي الذي زار مدينة ميونيخ من أجل حضور فعاليات «منتدى ميونيخ للأمن»، في واحدة من المرات القليلة التي ترافق فيها زوجها من دون ظهور رسمي لها. لكن السيسي غابت عن الظهور في فعاليات المنتدى الذي ألقى فيه زوجها كلمة حول الأمن في الشرق الأوسط، ثم ظهرت في ميادين التسوق الشهيرة برفقة صديقات لها وبحراسة أمنية محدودة من قوات «الحرس الجمهوري» التي ارتدت ملابس مدنية. ووفق مصدر قريب من الرئاسة، جالت «السيدة الأولى» على عدد من معالم ميونيخ، كما زارت أحد المقاهي أكثر من مرة، فيما لم يُسمح بالتقاط الصور لها مع بعض المواطنين العرب الذين تعرّفوا إليها.