تواصل إسرائيل، بمعية الولايات المتحدة الأميركية ورعايتها وانصياع أنظمة دول عربية، تركيز نفسها في أحلاف مبنية على «المصالح المشتركة» بعيداً عن القضية الفلسطينية، التي نُزعت عن جدول أعمال هذه الأنظمة، لحساب تبعيتها وبقائها السياسي. إسرائيل، القطب الأمني والاستخباري في الحلف المتشكل في المنطقة، والممر الإلزامي للرضى الأميركي، تريد تمديد «قطبيّتها» أيضاً في قطاع الطاقة، وتحديداً الغاز، على رغم الثروة العربية الغازية غير المحدودة. المفارقة أن الغاز الإسرائيلي لن يكون ذا قيمة اقتصادية خارج دائرة تقليص النفقات على الطاقة داخلياً، ما لم يشارك ويدفع العرب مهمة إسرائيل ومصلحتها في توريد غازها إلى خارج أسواقها هي، سواء إلى الدول العربية نفسها، أو عبر أراضيها إلى خارج المنطقة.انطلاقاً من ذلك، تأتي زيارة وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، إلى القاهرة نهاية الشهر المقبل، للتنسيق ما بين الطرفين قبل انعقاد منتدى «حلف غاز الشرق الأوسط»، بمشاركة وزراء الطاقة في كلّ من إيطاليا واليونان وقبرص والأردن ومصر وإسرائيل، مع حضور رئيسي وأكثر تأثيراً للجانب الأميركي، ورمزي للسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي. من المقرر، بحسب الإعلام العبري، أن يصل وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، إلى تل أبيب لاصطحاب شتاينتس إلى القاهرة للقاء التنسيقي مع وزير الطاقة المصري، الأمر الذي يفسّر أكثر هذا «الحراك التنسيقي» والرعاية الأميركية له، والتي يُقدّر أن تعود على أميركا وحليفتها وأتباعها بفوائد من شأنها تدعيم الموقف الموالي لها في المنطقة، عبر ربط اقتصاديات الأتباع بالاقتصاد الإسرائيلي.
من جانب تل أبيب، تُعدّ «الخطوة التنسيقية»، بمدلولاتها وتأثيرها، ضرباً من الخيال قد تحقق، خاصة أن دولة مثل مصر، تستورد الغاز من إسرائيل، هي نفسها تشكل منافساً طبيعياً لها في هذا القطاع تحديداً، بعد الاكتشافات الغازية الهائلة جداً في مياهها الإقليمية. الأنكى أنها لا تستورد الغاز الإسرائيلي وحسب، بل تعمل على جعل نفسها ممراً لغاز منافسها باتجاه الخارج! صحيفة «إسرائيل اليوم»، التي وصفت هذا المشهد القائم على هذه الخلفية بـ«النكتة» التي تحققت فعلاً، أشارت إلى أن وزير الطاقة المصري، طارق الملا، أكد أن التعاون في مجال الغاز سيؤدي إلى تعزيز العلاقات في الشرق الأوسط، حتى إنه ذهب إلى أبعد من ذلك، وقال إن «هذا الحلف سيؤدي إلى السلام». وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة تدعم من ناحية استراتيجية التعاون الغازي بين إسرائيل ومصر، وتعمل على أن يوصل هذا التعاون في نهاية المطاف الغاز الإسرائيلي إلى الدول العربية، وأيضاً إلى السوق الأوروبية.
الزيارة المرتقبة لوزير الطاقة الإسرائيلي لمصر هي الثانية هذا العام، بعدما شارك الشهر الماضي أيضاً في مؤتمر إقليمي للغاز الطبيعي برعاية الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. قبل أيام، أكد رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، أن «الغاز يشكل عنصراً حاسماً في العظمة الاستراتيجية لدولة إسرائيل». واضح أن رهانه على هذه العظمة يستند إلى «تعاون» الأنظمة العربية، وإلى تمدد فائدة الغاز لتوليد الفائدة الجيوسياسية. وهو ما وردت تأكيدات له على لسان شتاينتس نفسه، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، إذ قال، كما نقل عنه موقع «واللا»، في الـ14 من الشهر الماضي، إن «التعاون لا يتعلق فقط بمنفعة اقتصادية مرتبطة بتطوير مجمّعات الغاز، بل بمنفعة جيوسياسية وسياسية. في الواقع، المسألة تتعلق بالتعاون الاقتصادي الأهم بين إسرائيل ومصر، منذ التوقيع على اتفاقية السلام (كامب ديفيد) بين الدولتين».