القاهرة | يبدو أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أبى أن يغادر القاهرة إلا بإجراء لقاء طُلب من الوفد المرافق له التغاضي عنه، وهو مأدبة غداء مع عدد من ممثلي منظمات حقوق الإنسان المحلية، في منزل السفير الفرنسي لدى القاهرة، ليختتم بذلك زيارة الأيام الثلاثة، قبل أن يودعه نظيره عبد الفتاح السيسي في المطار تقديراً للضيف الذي يزور «المحروسة» للمرة الأولى، رغم ما سبّبه من حرج للرئيس المصري بسبب ملف «حقوق الإنسان».في اللقاء، اختارت السفارة الفرنسية أن تشمل الدعوة غالبية أعضاء المنظمات التي تواجه قيوداً حكومية على العمل الأهلي، وهي الفرصة التي استغلها مدير مكتب «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، محمد زارع، ليؤكد «أهمية أن تعي فرنسا أن دفع الحكومة المصرية إلى احترام حقوق الإنسان يتخطى كونه بنداً في مناقشات ثنائية»، طالباً أن يكون هذا الملف «حجر الزاوية» في بناء العلاقات، لا «المكاسب المادية التي تجنيها باريس من صفقات السلاح المبرمة مع نظام قمعي يستخدم هذه الأسلحة في انتهاكات غير مسبوقة».
أيضاً، دعا زارع وآخرون، ماكرون، إلى التأكد من «عدم مشاركة فرنسا في قمع المصريين وقتلهم، وأن أسلحتها وتقنيات الاتصال التي طورتها لا تستخدم ضد ناشطين حقوقيين ومعارضين سلميين»، وذلك عبر «فريق تحقيق مستقل يدرس ما ورد في تقارير المنظمات الحقوقية في هذا الصدد... على أن تعلن نتائج التحقيق على الشعبين المصري والفرنسي».
وأضاف الناشط الحقوقي: «بدلاً من أن تركز الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب، الخطر الحقيقي الذي يهدد أمنها وأمن مواطنيها، عكفت على الهجوم على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، علمانيين أو إسلاميين، ومطاردة ذوي الميول الجنسية المغايرة، بل حتى مشجعي كرة القدم، والزج بهم جميعاً في السجون بتهم ملفقة، مستخدمة برامج وتقنيات تجسس حصلت عليها من دول مثل فرنسا».
ووفق زارع، هو وثلاثون آخرون من زملائه في مجال حقوق الإنسان ممنوعون من السفر، كما يواجهون خطر السجن لمدد قد تزيد على 20 عاماً، مناشداً في الوقت نفسه «ألا يبارك المجتمع الدولي أي محاولة لتعديل الدستور بهدف رفع القيد الدستوري عن فترات الرئاسة تحت أي مسمى أو دعوة».
أبدى تواضروس تحفظاً من استخدام الرئيس الفرنسي صيغة الأقباط


الغداء سبقه يوم حافل لماكرون بدأه بزيارة الكاتدرائية المرقسية في العباسية وتفقد أحد أعمدة الكنيسة البطرسية التي تعرضت للتفجير قبل عامين، حيث بقي العمود دون طلاء ليبقى شاهداً على آثار التفجير، مكملاً نحو الأزهر الشريف، حيث التقى الإمام الأكبر أحمد الطيب في مقر المشيخة. هنا أبدى الطيب استعداد الأزهر «لدعم فرنسا عبر برنامج لتدريب الأئمة على مواجهة الفكر الإرهابي»، بالإضافة إلى تقديم منح للطلاب الفرنسيين «كي تكون باريس مركزاً لنشر الفكر الوسطي في أوروبا»، مضيفاً: «السلام هو الرسالة الأولى من رسائل الإسلام الصحيح الذي يحمله الأزهر والذي يُعَدّ الضامن الوحيد لحماية الأرواح».
من جهة أخرى، رغم اهتمام ماكرون بالحديث عن معاناة المسيحيين المصريين في كلمته، أبدى البابا تواضروس الثاني تحفظاً من استخدام صيغة الأقباط، مؤكداً أن مسجد وكاتدرائية العاصمة الجديدة «تعبير عن روح العصر الجديد الذي تعيشه مصر لكل المصريين، وعن الإرادة السياسية القوية التي نفخر بكل إنجازاتها ومشروعاتها».
على الصعيد الاقتصادي، أعلنت شركات فرنسية عزمها على ضخ استثمارات جديدة في مصر، وذلك خلال اجتماع «مجلس الأعمال المصري ــــ الفرنسي»، الذي نظمته وزارة الاستثمار، وشارك فيه عدد من الوزراء المصريين والمسؤولين الفرنسيين، إضافة إلى عدد من كبرى الشركات الفرنسية. وتبلغ قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر نحو خمسة مليارات يورو، فيما تعتزم باريس دعم القاهرة لتكون مركزاً للتصدير إلى إفريقيا خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي في الدورة المقبلة، كما صرح مسؤولون فرنسيون.
في المقابل، قالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، سحر نصر، إن بلادها «جاهزة لاستقبال المزيد من الاستثمارات الفرنسية»، موضحة أن الوزارة أنشأت خريطة مصر الاستثمارية بالتنسيق مع الوزارات كافة. في غضون ذلك، استعرض وزراء آخرون، جملة اتفاقات جديدة بين الجانبين تشمل القطاعات الصناعية والإنشائية والتكنولوجية وغيرها.



أسلحة فرنسية لقتل المصريين
أعادت «منظمة العفو الدولية» تأكيد النتائج التي توصل إليها تقريرها المعنون «مصر: استخدام الأسلحة الفرنسية في قتل المعارضة»، وهو التقرير الذي أُنجز استناداً إلى تحليل نفذه فريق التحقق الرقمي للمنظمة على تسجيلات مُتاحة للاطلاع العام، تزيد مدتها على 20 ساعة، ومئات الصور، بالإضافة إلى مواد مرئية وسمعية أخرى تبلغ سعتها نحو 450 غيغابايت. وتبيّن هذه الأدلة بوضوح أن المركبات المُدرَّعة المستوردة من فرنسا، من طرازي «شيربا» و«إم آي دي إس» قد استُخدمت خلال عدد من حوادث القمع الداخلي الأكثر دموية في مصر، بين 2012 ومطلع 2015.
وقال بيان «العفو الدولية» أمس، إن جزءاً من المركبات التي أرسلتها فرنسا حُوِّل بالفعل لمصلحة قوات الداخلية المصرية التي استخدمتها لتفرقة المتظاهرين وقمعهم, وأضاف البيان: «رغم هذا التحويل واستخدام المعدات الفرنسية، بالإضافة إلى مركبات من طراز "هامفي" الأميركية، في فضّ مجزرة ميدان رابعة الذي أدى إلى مقتل قرابة 1000 شخص، فإن فرنسا واصلت تصديرها المركبات المدرعة، ضاربةً عُرضَ الحائط بالتزاماتها الأوروبية التي تقضي بعدم تقديم السلاح الذي من شأنه أن يُستخدم في القمع الداخلي».