لم تدمِ الانتعاشة التي عاشها الإسلاميون مع «ثورة 25 يناير» طويلاً، لينتهي الحلم الذي انتظروه عقوداً بإقصائهم بالقوة. فحتى الذين حاولوا الاندماج في مرحلة ما بعد محمد مرسي لم يجدوا إلا النكران، كذلك حُرموا فرصة أي دور يشار إليه بالبنان، لتعود بهم الذاكرة إلى ما حدث إبّان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.صحيح أن «25 يناير» أخرجت الإسلاميين من السجون بأعداد كبيرة، لكن حريتهم انتهت بعد أقلّ من 30 شهراً، خاصة في مرحلة ما بعد «3 يوليو» التي جرت فيها ملاحقات واسعة لهم شملت المعارضين للنظام أو الذين حاولوا التأقلم مثل «حزب النور»، فكان القرار النهائي إقصاء هذا التيار الذي حصل على ممثلين في الوزارات للمرة الأولى أيام مرسي. إذاً، لم يكن للإسلاميين دور في حسابات عبد الفتاح السيسي، باستثناء «بيان 3 يوليو» الذي شارك فيه رئيس «النور» للتأكيد أن الاعتراض على مرسي لم يكن مرتبطاً بكونه إسلامياً فقط، وهو ما ساهم في إضفاء شرعية كبيرة على التحالف الذي سرعان ما تفكّك بعد أسابيع.
عدد الإسلاميين المسجونين راهناً أضعاف عددهم زمن مبارك


بنظرة سريعة، خسر الإسلاميون من «25 يناير» كلّ ما بنوه في عقود، وليس المقصود حصراً مصادرة أموالهم وإيقاف مشاريعهم وانتقال إدارتها إلى الدولة، بل في ضعف الحضور السياسي والشعبي، والتعرّض للاعتقال المُغطَّى قانوناً، بالإضافة إلى اضطرار عدد كبير منهم إلى الهرب خارج البلاد، ما بين «خروج شرعي» قبل إصدار قوائم المنع من السفر، أو غير الشرعي، لينتهي المطاف بمن سافروا غالباً إلى قطر أو تركيا أو بريطانيا.
والآن، بعد 8 سنوات من الثورة، لم يعد للتيار الإسلامي السياسي وجود، باستثناء حضور ضعيف لسلفيي «النور» الذي واجه انقسامات بين أعضائه، بسبب اتخاذ قيادته مواقف تتعارض مع ما قام عليه الحزب، حتى في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تتعارض من وجهة نظرهم مع الشريعة. ولذلك، هوت قواعدهم المجتمعية كثيراً في زمن السيسي، ليس بسبب حملات التشويه في وسائل الإعلام ضدّهم، بل لانشقاق القيادات وانقسامها في ظلّ إحجام عن المشاركة في أيّ فعاليات جماهيرية. في الوقت نفسه، انتبهت الدولة إلى أسلوب «الإخوان» والسلفيين في «التغلغل» الاجتماعي، عبر المساعدات التي كانوا يوزعونها على الأسر الفقيرة، خاصة في الصعيد، فساهمت في منع هذه المساعدات ومراقبة مصادر الإنفاق.
وحتى الآن، لم يخرج أي من القيادات الإسلامية من السجن، والأعداد المحدودة من القيادات والقواعد الشعبية التي كانت مسجونة أيام مبارك صارت أضعافاً الآن، وبتهم مختلفة وأحكام لا تقلّ في أفضل الأحوال عن عشر سنوات، ما جعل كثيرين من المؤيدين حتى في الخارج يخافون. في المحصّلة، لم ينجح الإسلاميون في تجربة التوافق مع السلطة الحالية، ففضّلوا الانطواء بعيداً حتى إشعار آخر، علماً بأن النظام الذي كان قد تقرّب منهم في مراحل (لدرجة أن السيسي استدعى القيادي السلفي ياسر برهامي إلى مكتبه في وزارة الدفاع) بات مستغنياً عنهم كلياً.