القاهرة | 6 أيام قضاها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في شرم الشيخ ضمن فعاليات «منتدى شباب العالم» بدورته الثانية، التي اختتمت أمس. تكلم السيسي كثيراً، ولم يفرِّق بين ما يمكن طرحه خلال منتدى يحضره شباب من دول عدة غالبيتها أفريقية، وما يمكن أن يقوله في لقاء محلي مثل مؤتمرات الشباب التي يقيمها عندما يرغب في توجيه رسائل داخلية، لكن غالبيتها لا تخرج بتوصيات تذكر.
خاطب السيسي الضيوف الخارجيين في قضايا داخلية كثيرة(أ ف ب )

في أحاديثه التي استرسل فيها، سواء كحوارات منفردة مع ممثلي وسائل الإعلام أو الشباب، أو كمقاطع لمحاوري الجلسات، حكى السيسي في أمور داخلية أكثر من الخارجية، على عكس هدف المنتدى المعلن، وهو «التقريب بين شباب العالم»، فيما ركزت جلسات كاملة على قضايا داخلية مثل التعليم. لم يتوقف الرئيس المصري عن الكلام في الداخل دون أن ينتقد حتى نفسه ونظامه، معتبراً أنه يقدم الأفضل، لكن الجميع لا يرونه بنفس الشكل والصورة، واعداً بمزيد من «الضغوط الاقتصادية» مقابل حصاد عام 2020 المتمثل في المدن الجديدة والوزارات التي يبنيها في قلب الصحراء، داخل ما يسمى «اسم العاصمة الإدارية الجديدة».
المفارقة أن الرجل الذي يفترض أن يخاطب شباب العالم في المنتدى سأل الحضور عمّا إن كانوا يرغبون في تقدّم الأمة ونهضتها، أو في توفير البطاطا التي ارتفع سعرها كثيراً في الأسابيع الأخيرة، وفاجأ الحضور بإعلانه إلغاء العلاوة الدورية لموظفي الدولة التي تصرف مطلع تموز/ يوليو من كل عام، إذ ستذهب هذه الأموال لبناء فصول جديدة بتكلفة 130 مليار جنيه.
ومع أنْ لا علاقة للشباب المستضافين من خارج مصر بمشكلات التعليم والعلاوة ونقص البطاطا، إلا أنّ «الجنرال» الذي يقدم نفسه راعياً للمشروعات العملاقة المنجزة سريعاً أعلن أمس قراره رفض تشغيل الامتداد الجديد للخط الرابع للمترو قبل 8 أشهر، لغياب جدواه اقتصادياً، في ظل الأسعار الحالية لاستخدام المترو الذي زاد سعرها 400% منذ وصوله إلى الحكم. وبينما وافق على مقترح إحدى الحاضرات بتعديل قانون الجمعيات الأهلية جراء شكاوى الجمعيات، اعترف بأن التخوف من عمل هذه الجمعيات أخرج القانون بـ«عوار يستوجب التعديل»، علماً بأن القانون الذي دافع عنه النظام خلال إقراره صار مطالباً بتعديله من أجل وصول الدعم الخارجي للمنظمات التي صارت غالبيتها تعمل في إطار الحكومة وتحت رقابتها.
أعلن الرئيس المصري إلغاء العلاوة الدورية لموظفي الدولة


السيسي تحدث كعادته خارج الإطار الواقع، فهو إذ أكد أنه لا يريد الصوت الإعلامي المؤيد للسلطة، بل المؤيد لمصر، لم يَعِد بالتصدي للمضايقات التي تتعرض لها وسائل الإعلام التي تخرج عن النص وتفكر في معارضة السلطة. وواصل انتقاده الإعلام المحلي لأنه كما يرى لا يضطلع بـ«دور حقيقي بإلقاء الضوء على التحديات والمشكلات التي يعانيها المصريون، ما يترك المجال لمنصات التواصل الاجتماعي، بما فيها من سلبيات، لشغل الفراغ». لذلك، عندما ينظر المراقبون الأجانب إلى قضايا مصر «ينظرون إليها بمنظور أوروبي دون إدراك للأزمات التي مرت بها» البلاد.
ورداً على سؤال لموفد «بي بي سي» عن حرية الصحافة، دعا الرئيس المشرفين على المحطة إلى «الغوص في قضايا مجتمعية وتفهمها» بدقة، مع استقاء المعلومات والبيانات من مصادرها الرسمية الموثقة. وقال إنه يشاهد «بي بي سي» لكنه يطالبها بأن تغوص أكثر في هموم مصر وقضاياها من كل الجوانب، وليس من زاوية الحريات الصحفية فقط، مشيراً إلى أن «الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، رحمه الله، كان الوحيد الذى يدرس كل موضوعاته بعناية فائقة ومدققة»، وأنه كان يراجع الرئيس أكثر من مرة إذا طلب منه رأياً في قضية.
أما عن العلاقات مع إثيوبيا، فقال السيسي إن أديس أبابا شهدت جراء وصول قياداتها الجديدة تغييرات إيجابية، وإنه تم الاتفاق مع الدول الأفريقية على دعم مشروعات التنمية، على ألّا يكون ذلك على حساب حياة المصريين التي تعتمد كلياً على مياه النيل، مشدداً على أن القاهرة تريد تحويل النيات الحسنة لإثيوبيا إلى اتفاقات ملموسة وإجراءات ووثائق. لكن «اللجان الفنية لم تصل بعد إلى اتفاق، كما نحتاج إلى ضمان ألّا يستخدم السد لأهداف سياسية».
على الصعيد الإقليمي أيضاً، قال الرئيس المصري إن الدول العربية لا تستطيع فرض حل معين على الفلسطينيين، مضيفاً: «مصر لا تقبل ذلك، بل تعمل على تسهيل حل لهذه القضية، ولا يوجد لدينا أي معلومات محددة بشأن صفقة القرن»، مجدداً في سياق آخر الحديث عن دعم عسكري لدول الخليج حال تعرضها لأي خطر. وبيّن أن «السعودية دولة كبيرة ولا أحد يستطيع هزّ استقرارها»، وأن مصر تدعمها للحفاظ على أمنها واستقرارها، منتقداً دور الإعلام الاقليمي والدولي في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وأخيراً، عاد وجدد المطالبة برفع الحظر حتى جزئياً عن تسليح الجيش الليبي لتعزيز قدراته.