القاهرة | ضمن خطة للسيطرة الكاملة على الإعلام بشروط «الأجهزة السيادية» في مصر، أنهت الأخيرة خطة استحواذها على الإعلام المرئي. الخطة التي وضعها رئيس جهاز «المخابرات العامة»، اللواء عباس كامل، خلال عمله مديراً لمكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أتمها بعد توليه منصبه الجديد. قبل عامين، قدم كامل ورقة عرض فيها خطته، وتحدث عن «خطورة مساحة الحرية الممنوحة للإعلام»، لافتاً إلى سرعة نقل الأخبار والتفاعل معها. كما حذّر من أخطاء النظام السابق (حسني مبارك) التي منحت الإعلام حرية جعلته ينقض عليه مع الخروج الشعبي في الشارع في 25 كانون الأول/ يناير 2011.أيضاً، تقول مصادر إن الورقة سردت وقائع عن «الفارق بين القبول والرضا الشعبي عن مبارك قبل ظهور الإعلام الخاص وبعدها من مراحل نمّت الغضب الشعبي وجعلت المواطنين على اطلاع على مشكلات لم يكن من الضروري أن يعرفوها»، إضافة إلى «التحريض المباشر ضد الرئيس والحكومة».
لكن كيف؟ يوم أمس، وقف رجل الأعمال محمد الأمين (رئيس مجلس إدارة «مجموعة المستقبل» المالكة لمجموعة قنوات «سي بي سي» سابقاً)، بصفته عضواً في مجلس إدارة شركة «إعلام المصريين» التي تملكها «المخابرات العامة» رسمياً، ليتحدث عن «شراكة» لم يوضح تفاصيلها، لكن سيكون لها تأثير في المستقبل. هذا الرجل نفى قبل شهر بصورة قاطعة أي عملية بيع أو استحواذ من الشركة. وصحيح أن «إعلام المصريين» تملك نحو 50% على الأقل في كل مؤسسة إعلامية لا تدفع أي أموال، وهو ما يجعل عمليات الاستحواذ صورية، لكن صناعة القرار صارت بيد القائمين الجدد على المؤسسات وليس مالكيها الذين أصبحوا مجردين من أي سلطات فعلية داخل قنواتهم باستثناء نسبهم من عائدات الأرباح.
إلى جانب الأمين، كان أحمد بهجت، مالك قناة «دريم»، الذي تحدث بوضوح أكثر عن موافقته على عرض الشراكة مع إحدى جهات الدولة السيادية (يقصد تحديداً «المخابرات الحربية»)، وذلك لضمان استمرار قناته، معلناً كذلك إعادة بث برنامج «العاشرة مساء» الذي يقدمه الإعلامي وائل الإبراشي بعدما مُنع بأوامر سيادية. والواضح أن بهجت خضع لضغوط لم تكن مرتبطة بالقناة فقط، بل بمشاريعه في البلاد وموقفه القانوني المعقد في عدد من القضايا المنظورة أمام القضاء وقضايا أخرى لم تحرك بعد. وهو الأسلوب الذي تعاملت به المخابرات مع جميع رجال الأعمال بلا استثناء، إذ كانت تخيّرهم بين قبول عروض السيطرة لتكون الدولة المراجع الوحيد للمحتوى الإعلامي، وبين التعرض لملاحقات قضائية.
ثمة إشكالية تواجه «الاستراتيجية» المخابراتية الجديدة هي تسريح أعداد كبيرة من العاملين والاستغناء عنهم، خصوصاً أن مِن هؤلاء مَن يتواصلون مع الضباط في مختلف الأجهزة، وفي حال تسريحهم، قد يسربون ما يملكونه من معلومات إلى قنوات جماعة «الإخوان المسلمون» الموجودة في تركيا أو حتى قناة «الجزيرة» في الدوحة.
على رغم ما سبق، توجد ثلاث شبكات خارج المشهد كلياً: قناة «النهار» التي لا يزال مالكها علاء الكحكي يرفض بيعها على رغم تعرضها للتفريغ كلياً من نجومها وتراجع نسبة مشاهديها كثيراً منذ بداية العام، وشبكة «صدى البلد» التي يملكها محمد أبو العينين، وهو رجل الدولة الأول، ويحتفظ بوديعة في البنك ينفق من أرباحها على رواتب العاملين في القناة، وثالثاً قناة «المحور» التي يملكها حسن راتب الشريك في مشروعات اقتصادية مع الدولة خصوصاً في سيناء، لكن تملك الجهات الأمنية ملفات فساد تدينه، كما تقول.
والواضح أن هذه الشبكات لا تؤثر في المشهد كثيراً، لكن المخابرات لن تغض النظر عنها، ويمكن أن تعمل على صيغ أخرى كإتمام صفقة تأميم الإعلام وتقسيمه بين «المخابرات العامة» ممثلة بـ«إعلام المصريين»، إضافة إلى شركة «دي ميديا» التي تملكها «الحربية» وتدير عدداً محدوداً من الفضائيات. هكذا، تتحول مدينة الإنتاج الإعلامي التي يخرج منها بث القنوات إلى «مدينة أجهزة المخابرات»، وتصبح جميع الشاشات ملك الدولة سواء أكانت إعلاماً خاصاً أو حكومياً، في «ماسبيرو».