أدرك الأزهر، متأخراً قليلاً، أنَّ التحرّش (إشارةً أو لفظاً أو فعلاً)، لا يجوز شرعاً، واضعاً إياه في خانة «المحرّمات». التحريم الذي ربط بين انتشار الظاهرة و«فقدان الإحساس بالأمن»، جاء في وقتٍ تفاقمت فيه حوادث التحرّش الجنسي في مصر، في حين لا تزال هناك «حاضنة شعبية» كبيرة للمتحرّش في هذا البلد، تدافع عنه، وتلقي باللوم على المتحرَّش بها.

«لا يجوز تبريره»
أعلن الأزهر أنّ التحرش «محرّم شرعاً» ولا يجوز تبريره. وقال، في بيان، إنّ «التحرّش ــــ إشارة أو لفظاً أو فعلاً ـــــ هو تصرّف محرَّم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعاً»، داعياً إلى «تفعيل القوانين التي تجرم التحرش وتعاقبه (المتحرش) على فعله».
وأكد أن «تجريم التحرّش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقاً ومجرّداً من أيّ شرط أو سياق، فتبرير التحرّش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبّر عن فهم مغلوط، لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلاً عمّا يؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات».
التحريم جاء بناءً على متابعة الأزهر لـ«ما تداولته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من حوادث تحرّش، وصل الأمر في بعضها إلى حدّ اعتداء المتحرِّش على من يتصدّى له أو يحاول حماية المرأة المتحرَّش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبرِّراً يُسوّغ للمتحرِّش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له في الإثم»، وفق البيان.


بين «التجمّع» والاسكندرية
قبل أيام، أثارت حادثة قتلٍ على شاطئ في الإسكندرية جدلاً واسعاً، بعدما تحرّش رجل بزوجة رجل آخر على الشاطئ، فأثار غضبه ونشب بينهما شجار أسفر عن مقتل الزوج بعدما طعنه المتحرِّش بسكّين.
فيديو الحادثة الذي انتشر بكثافة على الـ«سوشِل ميديا»، يظهر الزوج ملقًى على الأرض وغارقاً في دمائه، فيما تحاول زوجته إنقاذه، في حين يحيط بالقاتل عدد من الرجال المدجّجين بالعصي يمنعونه من الهرب.
لكن حادثة التحرّش/ القتل أثارت جدلاً واسعاً، إذ انقمست ردود الفعل بين من قال إن الزوجة تتحمّل مسؤولية مقتل زوجها، بسبب ملابسها غير «المحتشمة»، في حين طالب آخرون بإعدام المتحرِّش.
المتحرّش القاتل اعتُقل، لكن محاميه برَّر ما فعلة موكّله بالقول إن القاتل «كان يعالَج في مستشفى المعمورة للطبّ النفسي، وكان يهرب من المستشفى لأنّه يرفض العلاج»، طالباً من النيابة العامة عرضه على طبيب نفسي للتأكد من حالته العقلية!
قبل ذلك بأسبوع، نشرت فتاة مصرية فيديو صوّرته أثناء انتظارها باصاً في منطقة التجمّع الخامس جنوبي القاهرة. الفيديو يظهر شاباً يطلب منها قبول دعوته إلى مقهى قريب من مكان وقوفهما، وحين رفضت، قال لها إنه بهذه الدعوة يجنّبها مضايقات محتملة من شبانٍ آخرين. ردّت الفتاة بأنه هو بدوره يضايقها، فاعتذر الشاب وغادر المكان ممتعضاً. الفيديو انتشر بشكلٍ سريع على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار جدلاً كبيراً، حيث انقسم مشاهدوه بين من عدّ فعل الشاب تحرّشاً وبين من رآه دعوة مهذّبة لا تندرج في إطار التحرش.

قانون تجريم التحرّش
بعد اتّساع ظاهرة التحرّش وتزايد الضغوط من أجل مكافحتها، أقرّت السلطات المصرية، في حزيران/ يونيو 2014، قانوناً يجرّم التحرش الجنسي، وذلك قبل أيام من تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتوسّع القانون المصري في تعريف جريمة التحرّش ليشمل «كل من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية».

استطلاع
بحسب دراسة صدرت عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة «بروموندو»، تقول 60 في المئة من النساء في مصر إنهن تعرّضن لشكل من أشكال التحرّش في وقت ما في حياتهن، بينما ترى نسبة 75 في المئة من الرجال و84 في المئة من النساء، الذين استطلعت آراؤهم، أنّ النساء «اللواتي يرتدين ملابس مستفزّة يستحققن أن يتعرّضن للتحرّش».