حاول راهبان مصريان الانتحار يوم أمس، في آخر فصول الأحداث التي يشهدها دير أبو مقار في وادي النطرون شمالي البلاد. وشُغلت مصر خلال الأسبوع الماضي، بمقتل رئيس دير أبو مقار، الأسقف إيبيفانيوس، في «ظروفٍ غامضة»، قبل أن تتوالى تدابير كنسية أوحت بوجود خلافات داخل الرهبنة، على الرغم من التكتم الشديد من قبل الكنيسة القبطية حول هذا الموضوع.
انتحار الراهبين
أقدم الراهب أشعياء المقاري مساء أمس، على الانتحار بتناول مادة سامة، بعد قرار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تجريده من رهبنته وعودته لاسمه الأصلي، وائل سعد تواضروس.
في صباح اليوم نفسه، شهد دير أبو مقار محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري، بقطع شريان يده ثم إلقاء نفسه من أعلى مبنى مرتفع في الدير. مصدر كنسي قال إن سيارة الإسعاف نقلت الراهب إلى المستشفى في حالة خطيرة، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية ستجري تحقيقاً في أسباب محاولته الانتحار.
الراهب فلتاؤس المقاري هو شاب ثلاثيني، وباحث متخصص في التاريخ الكنسي، وقد أصدر دراسات وأبحاثاً عن تاريخ آباء الكنيسة.
وكان بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، قد صدَّق أول من أمس، على قرار تجريد الراهبين من الرهبانية، وعودة كل منهما لاسمه العلماني، وذلك «لارتكاب مخالفات رهبانية».
وسائل إعلام مصرية نقلت عن مصادر داخل الدير قولها إن الراهب فلتاؤس المقاري خضع لتحقيقات مكثفة في قضية مقتل الأنبا إبيفانيوس، إذ كان من الفريق المعارض لرئيس الدير.
ترهبن فلتاؤس عام 2010 ضمن مجموعة أدخلها البابا الراحل شنودة الثالث إلى الدير عقب وفاة الراهب متى المسكين (كانت هناك خلافات بين البابا والراهب)، في محاولة لتعديل التركيبة الفكرية لآباء الدير وإحكام السيطرة عليه.
كذلك دعت الكنيسة الراهب المجرّد إلى «التوبة وإصلاح حياته»، من دون أن توضح سبب تجريد الراهب من صفته الدينية.
غير أنها دعت الأقباط في بيان إلى «عدم تجاوز الحدود الواجبة في المعاملات والعلاقات والالتزام بتعليمات الأديرة بخصوص الزيارات والخلوات»، من دون تفاصيل إضافية.


تدابير كنسية مشددة
عقب مقتل رئيس الدير، اتخذت الكنيسة المصرية الخميس الماضي 12 قراراً لـ«ضبط حياة الرهبانية» داخل الأديرة.
من أبرز هذه القرارات: وقف قبول رهبان جدد داخل الأديرة لمدة عام، حظر الوجود خارج الأديرة من دون مبرر، حظر الظهور الإعلامي، وإغلاق الرهبان صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب البابا تواضروس في آخر منشور له على «فايسبوك» قبل إغلاق صفحته، يوم الجمعة الماضي، «ضياع الوقت في الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي صار مضيعة للعمر والحياة والنقاوة (..)، ولأن الطاعة من نذوري الرهبانية التي يجب أن أصونها وأحفظها، لذا أتوقف عن صفحة الفيسبوك الخاصة بي وأغلقها، وأحيي كل إخوتي وأبنائي الذين نهجوا طاعة لقرارات كنيستي المقدسة».
وأعطت لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة في المجمع المقدس، الرهبان، «فرصة لمدة شهر لغلق أي صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي والتخلي الطوعي عن هذه السلوكيات والتصرفات التي لا تليق بالحياة الرهبانية» تحت طائلة «اتخاذ إجراءات كنسية». وقالت صحيفة «الأهرام» المصرية، إن الأسقف العام، الأنبا رافائيل، أعلن أيضاً إغلاق صفحته، بالإضافة إلى عدد من أساقفة ورهبان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية «امتثالاً لقرارات لجنة الرهبنة».


مقتل رئيس الدير
هذه الأحداث أعقبت مقتل أسقف ورئيس دير أبو مقار الأنبا إبيفانيوس، حيث عُثر على جثته داخل الدير، في واقعة نادرة يشوبها غموض.
مديرية أمن محافظة البحيرة أعلنت أن جثة إبيفانيوس فيها إصابة وتهشم في مؤخرة الرأس، قبل أن تؤكد وجود شبهة جنائية. كما كشفت المعاينة الأولية استخدام مرتكب الجريمة أداة حادة لقتل المجني عليه أثناء خروجه من حجرته.
وقال مسؤول أمني في محافظة البحيرة إن الفحص والتحريات جارية لكشف غموض الوفاة، بعدما عثر على الجثمان في أحد ممرات الدير، مضيفاً أن الجثمان سلم إلى الطب الشرعي لتشريحه وتحديد سبب الوفاة وما إذا كانت جريمة قتل أم لا.
من جهتها، أعلنت الكنيسة القبطية في حينه، وفاة «الأب الناسك والعالم الجليل الأنبا إبيفانيوس داخل ديره».
وأضافت في بيان «نظراً لأن غموضاً أحاط بظروف وملابسات رحيله تم استدعاء السلطات الرسمية وهي تجري حالياً تحقيقاتها».


من هو الأسقف المقتول؟
يتحدّر الأنبا إبيفانيوس من مواليد 27 حزيران/ يونيو 1954 في مدينة طنطا في محافظة الغربية، وهو حاصل على شهادة في الطب. التحق بالدير في 17 شباط/ فبراير 1984، قبل أن يُرسم راهباً في 21 نيسان/ أبريل من العام نفسه، باسم الراهب إبيفانيوس المقاري. رُسم قساً في 17 تشرين الثاني/ أكتوبر 2002، وكان يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات في الدير، قبل أن يتم اختياره رئيساً للدير بالانتخاب في 10 آذار/ مارس 2013.