شهدت محطات مترو الأنفاق في القاهرة، يوم أمس، احتجاجات شعبية عدّة على قرار الحكومة بزيادة أسعار تذاكر المترو الذي دخل حيز التنفيذ أول من أمس.القرار الذي يزيد الأعباء على كاهل المواطن المصري وسط غلاء معيشي غير مسبوق، أثار غضباً شعبياً كبيراً تُرجم بدعوات لمقاطعة المترو، بالإضافة إلى تجمعات للركّاب في المحطات التي شهد بعض منها اشتباكات بين المحتجين وقوى الأمن. وتُعدّ هذه التجمعات الغاضبة، الأولى من نوعها منذ مدة طويلة، في ظلّ التضييق الأمني الذي تشهده البلاد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا سيما بعدما حظر قانون صدر عام 2013 تنظيم تظاهرات من دون تصريح من وزارة الداخلية.

اشتباكات وعشرات المعتقلين
أظهرت مشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي احتجاج عشرات المصريين في بعض محطات قطارات مترو الأنفاق في القاهرة. وبثت قناة «صدى البلد» المصرية الخاصة عبر برنامج «على مسؤوليتي»، لقطات فيديو صامتة أظهرت شباناً يقفزون من أعلى ممرات العبور الإلكترونية من دون شراء تذاكر لاستقلال المترو. وأظهرت اللقطات التي بثها البرنامج (يقدمه المذيع احمد موسى المؤيد للسيسي) أشخاصاً غاضبين يهتفون داخل المحطات، وشخص يجلس على قضبان المترو.
كما وقعت اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن في محطة مترو المعادي ومحطة مترو حلوان (جنوبي القاهرة)، فيما ألقت قوات الأمن المصرية القبض على 11 مواطناً من المحتجين على زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق من محطة السادات في القاهرة. بذلك، ارتفع عدد المعتقلين الرافضين لقرار الزيادة إلى 21 محتجزاً، بعد القبض على 10 محتجين آخرين أمس. حزب «العيش والحرية» اليساري ــ تحت التأسيس ــ في بيان، قال إن من بين معتقلي أمس، عضوي الحزب أسماء عبد الحميد، وعبير الصفتي، اللتين لم يستدل على مكانهما حتى الآن، وذلك على خلفية مشاركتهما في وقفة احتجاجية داخل المحطة.
وطالب المحتجون الحكومة بالتراجع عن القرار، في حين قفز آخرون على الحواجز التي تضم ماكينات التذاكر واتجهوا لرصيف القطارات رافضين شراء تذاكر بالأسعار الجديدة. وهتف حشد صغير في محطة دار السلام جنوبي القاهرة «مش هنمشي.. مش هنمشي»، في حين وقف رجال الشرطة يتابعون. قوات الأمن التي كانت موجودة في محطات المترو، ارتدى معظم عناصرها زيّاً مدنياً، انتشرت داخل محطات وعربات مترو الأنفاق، كما شهد محيط محطات المترو تشديداً أمنياً مكثفاً.



ارتفاع يصل إلى 350%
مثلما بات معروفاً، أصبح سعر تذكرة المترو في منطقة واحدة لعدد تسع محطات ثلاثة جنيهات (0,17 دولار)، أما ركوب منطقتين لعدد 16 محطة، فأصبح بخمسة جنيهات (0,28 دولار)، فيما وصل سعر ركوب ثلاث مناطق أكثر من 16 محطة إلى سبع جنيهات (0.39 دولار)، ما يعني ارتفاع بنسب تصل إلى 350%. ويستقلّ مترو الأنفاق في القاهرة نحو ثلاثة ملايين راكب يومياً، وتشمل خطوط المترو الثلاثة 64 محطة، على امتداد نحو 79 كيلومتراً.
رفعُ سعر التذاكر يأتي فيما تسعى مصر لتطبيق إصلاحات صعبة مرتبطة باتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار يشمل خفضاً في دعم المحروقات وزيادة الضرائب بهدف تعزيز النمو الاقتصادي.
وسبق للحكومة أن رفعت سعر التذكرة في آذار/ مارس 2017، بنسبة 100%، إلى جنيهين لكل المحطات، بعدما ظلت من دون تغيير جنيهاً واحداً، منذ عام 2006.
وتأتي الزيادة في ظل رفع الحكومة المصرية لأسعار الوقود مرتين خلال أقل من عام كان آخرها في حزيران/ يونيو الماضي بنسب تصل إلى 100% في بعض المنتجات، في إطار خطتها لإعادة هيكلة دعم المواد البترولية.
من جهة أخرى، ذكرت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» أن خسائر المترو في مصر وصلت إلى 618 مليون جنيه (34 مليون دولار)، ما دفع إلى اتخاذ هذا القرار.
وارتفع معدل التضخم بعدما خفضت مصر قيمة العملة المحلية (الجنيه) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 ووصل إلى مستوى قياسي في تموز/ يوليو بفعل خفض دعم الطاقة.
لكن ذلك التضخم انخفض تدريجياً بعد تموز/ يوليو حتى الشهر الماضي الذي شهد ارتفاعاً طفيفاً في التضخم الأساسي الذي لا تدخل في حسابه البنود المتقلبة مثل الغذاء.


الحكومة تهدد
دافع وزير النقل المصري، هشام عرفات، عن قرار رفع أسعار تذاكر المترو، مؤكداً أنه جاء لـ«إنقاذ» المرفق من الانهيار. وهدد عرفات في مقابلة تلفزيونية بأنه لن يسمح بتكرار ما حدث يوم أمس (السبت)، قائلاً إن الشرطة ستتدخل بعد ذلك.
من جهته، قال المتحدث باسم هيئة مترو القاهرة، أحمد عبد الهادي، إن التعليمات الجديدة تصب في المصلحة العامة وإنها ستحمي المترو وتمكن من إنشاء محطات جديدة وتطوير الخدمة وتوفير وسيلة انتقال آدمية للركاب.
وحث عبد الهادي الركاب على الحصول على اشتراكات في الخدمة توفيراً للمال، مؤكداً أن الدولة تدعم اشتراكات الطلبة وأصحاب المعاشات وذوي الاحتياجات الخاصة بقيمة 50% من تكلفة تذكرة المترو.
على صعيد البرلمان، أعلن تكتل «25-30» النيابي، رفضه التام لقرار الحكومة بزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، مؤكداً أن القرار يأتي استمراراً للنهج الخاطئ، والذي بلغ حد الخطر بتحميل الطبقة الفقيرة أعباءً مالية جديدة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الغالبية الكاسحة من الشعب المصري.
وقال التكتل، في بيان، مساء السبت، إن الزيادة استهدفت خدمة لا تستخدمها إلا الفئات المستحقة للدعم، والتي بلغت 700‎% في أقل من عام واحد، من دون مراعاة لاعتبارات العدالة الاجتماعية، التي تقتضي تحمل القادرين الجانب الأكبر من الأعباء المالية في الخدمات العامة لصالح غير القادرين، وخاصة في ظل الظروف القاسية التي تعاني منها الغالبية العظمى من المواطنين.
وطالب التكتل، السلطة التنفيذية، ممثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، والحكومة، والغالبية النيابية «ائتلاف دعم مصر» بسرعة التراجع عن هذا القرار، والتوقف عن تحميل الفقراء أي أعباء اقتصادية جديدة، ومراجعة خطة رفع الدعم التي أقرتها السلطة التنفيذية بالاتفاق مع الغالبية البرلمانية، وتم الترويج لها باعتبارها جزءاً من «إصلاح اقتصادي مزعوم».
كذلك طالب التكتل الذي يضم 16 نائباً من مجموع 595 برلمانياً، بالإفراج الفوري عمّن تم القبض عليهم للتعبير عن رفضهم هذه القرارات، محذراً من الاستمرار في هذه السياسات الخاطئة، ومن الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي، ما قد يُنذر بعواقب وخيمة.