القاهرة | على عكس المعتاد، حجزت السفارة الإسرائيلية في القاهرة «قاعة ألف ليلة وليلة» الفخمة في فندق «ريتز كارلتون» أمس، لـ«الاحتفال بذكرى تأسيس الدولة الإسرائيلية»، موجهةً الدعوة للمرة الأولى لفئات عدة في المجتمع المصري، من بينهم نواب ورؤساء تحرير، لتكون الدعوات هي الأكبر من حيث العدد لأي احتفال تقيمه السفارة منذ افتتاحها في مصر في نهاية السبعينات.وعلى رغم دعوات المقاطعة لحضور «الاحتفالية» والإجراءات الأمنية التي أقيمت حول الفندق منذ صباح أمس، بغية «التأمين»، فإنّ أيّ شخصية عامة لم تكن حتى مساء أمس قد أعلنت اعتزامها الحضور، كما قرر رؤساء تحرير الصحف المدعوة، المقاطعة، فيما هددت نقابة الصحافيين بإحالة من يقوم بتغطية الفعاليات إلى التحقيق لمخالفته قرار النقابة القاضي بوقف كافة أشكال التطبيع. حتى إنّ رئيس البرلمان المصري علي عبد العال، تطرق إلى الأمر، خلال الجلسة العلنية للبرلمان، محذراً النواب من حضور احتفالات لسفارات، أو السفر للخارج من دون الحصول على موافقة البرلمان، مؤكداً في الوقت نفسه «الثقة» في أن النواب لن يحضروا «احتفال السفارة الإسرائيلية» لكونهم ممثلين للشعب الذي يرفض السياسات الإسرائيلية.
السلطات المصرية بدت كأنّها تتبرأ من المسألة، إذ علاوة على تصريح عبد العال، أكد مصدر دبلوماسي بالخارجية المصرية، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الوزارة لم تطلب رسمياً إلغاء الاحتفال، أو خاطبت الأمن لمنع إقامته في الفندق، خصوصاً أنّ الاحتفال لا يتعارض مع اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين»، مشيراً إلى أن «تمثيل الخارجية في مثل هذه الاحتفالات يكون على نفس المستوى بإيفاد مندوب عن وزير الخارجية سامح شكري». وأضاف أنّ وزارته «على علم منذ أسبوعين تقريباً بموعد الاحتفالية وحددت التمثيل الدبلوماسي على غرار ما يحدث كل عام»، لافتاً إلى أنّ «اختيار الفندق، وليس مقر السفارة، هو أمر راجع لقرار السفارة والسفير، ولكن لا يعني ذلك أن هناك أي شيء يترتب عليه أمراً متغيراً». وذهب المصدر في تبريره إلى أنّ «جميع السفارات الموجودة في القاهرة تقيم احتفالاتها السنوية في الفنادق»، مضيفاً أنّ «الاهتمام الإعلامي بالاحتفال ليس له ما يبرره، نظراً للقناعة التامة لدى مسؤولي الخارجية بأن من سيتواجدون في الاحتفال لن يكونوا أكثر عدداً ممن يحضرون الاحتفال السنوي بمقر السفارة في ظل استمرار المقاطعة الشعبية، وهذا أمر ليس للخارجية شأن به».
السفير الصهيوني: نُلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل


من جهة أخرى، أصدر «تكتل ٢٥ ـــ ٣٠» البرلماني المعارض، بياناً رافضاً لـ«الاحتفال»، قال فيه: «في يوم أسود لم يحلم به من وضعوا جرثومة الكيان الصهيوني في أرض العرب وبلد السلام، يحتفل هذا الكيان بذكرى تأسيسه على أرض مصر وضفاف النيل وقرب أشهر ميادين ثورة مصر، وهو ميدان التحرير». وأشار التكتل إلى رفضه أيضاً موافقة «الحكومة على احتفال كهذا في وقت تلتهب المشاعر بنقل سفارة أميركا الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني، إلى أرض عربية في القدس الشريف»، لافتاً إلى أنّ «الشعب سيرصد أي مشارك ولن يغفر لهم وستكتب أسماؤهم في سجل الخيانة والعار، ونطلب من الحكومة المصرية بشكل واضح رفض إقامة هذا الحفل احتراماً للأراضي المسلوبة وللمقدسات المنهوبة وأرواح الشهداء وآلام المصابين وأسرهم ومشاعر الشعب المصري، وقبل كل ذلك احتراماً لحقنا التاريخي في أرض فلسطين».
اللافت في كل ما شهدته العاصمة المصرية أمس، ما جاء على لسان السفير الإسرائيلي دافيد غوبري، خلال «الاحتفالية»، إذ قال إنّ «الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل تشكل قدوة ومثالاً لحلّ صراعات إقليمية ودولية في العالم أجمع حتى يومنا هذا، ومع ذلك نحن اليوم في أوج معركة السلام، وهذه المعركة تستوجب التغيير الواسع في الوعي والإدراك وتحتّم خلق جو يسوده التسامح والتعارف على الآخر والصبر، لا شك في أنّ الأمر يحتاج الى عملية طويلة ومستمرة، ولكنها ضرورية لجعل السلام ينتشر، ليس فقط بين الحكومات، بل يعمّ أيضاً بين الشعوب». وأضاف هذا الرجل: «نُلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل، فلا تُعَدّ عدواً، بل شريكاً في صياغة واقع جديد وأفضل في المنطقة، واقع يستند إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي». وتابع: «كان الاعتقاد يسود في الماضي أنّ التعاون في مجال معيّن يأتي بالضرورة لمصلحة طرف على حساب الطرف الثاني، ولكن مع مرور الوقت أدركنا أنها ليست بالضرورة لعبة خاسرة، بل وجدنا في أوجه التعاون المختلفة ثماراً يربح منها الجميع، وتشكل اتفاقية الغاز التي وُقِّعَت أخيراً والتي تخدم مصالح الطرفين دليلاً على هذه الثمار، ويبقى الأمل أن تفتح الطريق أمام التعاون في مجالات أخرى».
جدير بالذكر أنّ الفندق الذي اختارته سفارة الكيان الصهيوني لتقيم فيه برنامجها، كان قد افتتحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عام 1959، وكان اسمه «هيلتون النيل»، وقد انعقدت فيه القمة العربية لعام 1964 بطلب مصري لبحث «التهديدات الإسرائيلية بتحويل مجرى مياه نهر الأردن». وبرغم كل التبريرات، فقد وافقت سلطات القاهرة أمس، على هذا الاختراق الصهيوني الجديد. اختراق في الوعي والذاكرة.