تشهد مصر اعتباراً من الاثنين المقبل حتى يوم الأربعاء، الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الثالثة بعد «ثورة يناير»، في استحقاقٍ سيكون أشبه باستفتاء يبيّن مكانة التأييد الشعبي للرئيس عبد الفتاح السيسي بعد أربع سنوات من الحكم. في ظلّ حتمية فوز السيسي الذي لا يقابله أي منافس جدّي، لا يُعوَّل إلا على دعوات المقاطعة التي ارتفعت في الآونة الأخيرة، والتي من المتوقع أن تفوق نسبتها في الانتخابات الماضية حين وصلت نسبة المشاركة إلى 47 في المئة فقط.
ودعا السيسي، أول من أمس، المصريين إلى المشاركة في الانتخابات «ليثبتوا للعالم أن مصر يحكمها شعبها»، وذلك ردّاً على الانتقادات التي بدأت تشكك في شرعية الاستحقاق، في ظلّ توقع مشاركة قليلة فيه.
نتائج الانتخابات التي انتهت للمغتربين بين 16 و18 من الشهر الحالي، ستُعلن في الثاني من نيسان المقبل، بما أنه لن يكون هناك جولة إعادة (وهو ما يجري عادةً عند وجود أكثر من مرشحّين، لكنه لا ينطبق على هذه الدورة).

استنفار في «الداخلية»
حذرت وزارة الداخلية المصرية، يوم أمس، من محاولات المساس بسير عملية الانتخابات الرئاسية، أو الاعتداء على المنشآت المهمة والحيوية.
وأوضح وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، بعد اجتماعه بقيادات أمنية، أن الوزارة ستتعامل بمنتهى «الحزم والحسم» مع أي من تلك الممارسات، ومواجهة أي مظهر من مظاهر الخروج على القانون.
وكانت تقارير صحافية قد أشارت إلى أن «الداخلية» تشارك خلال أيام الاقتراع الثلاثة بأكثر من 200 ألف رجل أمن، فضلاً عن رفع درجة الاستعداد.
وتتضمن الخطة الأمنية ثلاثة محاور رئيسية: الأول تأمين لجان ومقار الاقتراع والقضاة المشرفين على الانتخابات، والثاني تأمين عملية سير الانتخابات حتى انتهاء مرحلة الفرز، والثالث تأمين الشوارع في مرحلة ما بعد إعلان النتائج.

المرشّح المنافس... مؤيّد للسيسي
لعلّها سابقة في تاريخ الانتخابات حول العالم، أن يعلن مرشّح رئاسي تأييده التام لمرشّح منافس، ويدعو الناخبين إلى التصويت لهذا الأخير. المجال العام المغلق في مصر لم يكتفِ بمرشّح «كومبارس» يؤدي دوره في هذا الاستحقاق، بل وصل الأمر بالمناخ السياسي إلى درجة نرى فيها المرشّح الوحيد إلى جانب السيسي، رئيس حزب «الغد» موسى مصطفى موسى، في لقاءات «يحشد» أصواتاً للسيسي الذي يعبّر موسى عن رغبته بأن يفوز «باكتساح»!
وفي مؤتمر صحافي لحملته الانتخابية عقد أول من أمس، توجه موسى بـ«الشكر» للسيسي، مؤكداً أنه مهما تكن النتائج النهائية «سيكون تقديري لسيادتكم وإنجازاتكم هما مثال أحتذي به في حياتي ومستقبلي».
هذا الوضع «الغريب» دفع بمجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، إلى عنونة تقريرها عن الانتخابات المصرية بـ«السيسي vs المتملّق»، معتبرةً هذه الانتخابات «صورية»، وهي وإن كانت قائمة بين مرشّحين، لكنها «من دون اختيار» فعلي.
يرصد التقرير أربع لافتات تروّج لموسى على امتداد القاهرة، مقابل آلاف اللافتات والصور المؤيدة للسيسي في القاهرة وفي المحافظات الأخرى.
بدورها وصفت دورية «فورين أفيرز» الأميركية، الانتخابات المصرية المرتقبة بـ«الصورية»، وقالت إن إدارة السيسي لهذا الاستحقاق عبر قمع المرشحين المنافسين المرتبطين بمؤسسة الجيش، «تدلّ على أن قبضته على السلطة تعتمد في جانب واسع منها على ولاء الجيش، أو على الأقل رضوخه». وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن ظهور منافسين من الجيش، يفترض أن دعم المؤسسة العسكرية للسيسي قد تدنّى، ملمحةً إلى إدراك السيسي أن هذه المؤسسة قد تنقلب ضده يوماً ما.



السيسي: مصر «غير جاهزة» للمنافسة
شهدت هذه الانتخابات اعتقالات عدّة بحق مرشحين وتضييق على آخرين لمنعهم من الترشح. فقد اعتقلت السلطات المصرية، المرشح الإسلامي السابق، عبد المنعم أبو الفتوح، ورئيس الأركان السابق، سامي عنان، إلى جانب الضابط أحمد قنصوة، بالإضافة إلى الضغط على وزير الخارجية الأسبق، أحمد شفيق، للتراجع عن ترشحه.
ويوم أمس، جدّدت نيابة أمن الدولة العليا المصرية حبس أبو الفتوح 15 يوماً على ذمة التحقيقات. وكان رئيس حزب «مصر القوية» قد سُجن بتهمة نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.
في مقابلته التي عرضت يوم الثلاثاء الماضي، تنصّل السيسي من مسؤولية اعتقال عنان والضغط على شفيق، مؤكداً أن «لا علاقة له بالحالتين أو بتراجع أي مرشح عن خوض السباق. وقال السيسي «أنتم تتحدثون معي في أمر لا ذنب لي فيه بالمرّة». وتابع في المقابلة التي قدّمتها المخرجة ساندرا نشأت «أنا كنت أتمنى أن يكون موجوداً معنا (منافس) واحد أو اتنين او تلاتة أو عشرة من أفاضل الناس، وأنتم تختارون كما تشاؤون»، أما عن سبب عدم وجود مرشحين آخرين، فقال السيسي «إننا (مصر) لسنا جاهزين بعد».


الغرب داعم السيسي
على الرغم من كل التجاوزات التي تقوم بها السلطة المصرية، وتدهور وضع الحقوق والحريات في البلاد خلال السنوات الأخيرة، في ظلّ وجود عشرات آلاف المعتقلين السياسيين، يحافظ الغرب على علاقات جيّدة مع السيسي وحكومته. ويحظى الرئيس بدعمٍ غربي لولاية ثانية، وفي مقدمة الداعمين يأتي الرئيس دونالد ترامب، الذي عبّر أكثر من مرّة عن «محبته» للسيسي.
في تقريرٍ لوكالة «فرانس برس»، قال خبراء أوروبيون في شؤون المنطقة، إن استقرار مصر التي تعد 96 مليون نسمة، هو عامل استقرار في الشرق الأوسط الذي يشهد فوضى تامة. وبرغم تحسن العلاقات بين القاهرة وواشنطن بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة، يحاول السيسي تنويع «شركائه» الأجانب، حيث حاول تعزيز العلاقات بموسكو وبكين بالإضافة إلى باريس. من هذا المنطلق، من غير المتوقع أن يتغيّر موقف المجتمع الدولي من السيسي، على الرغم من الأصوات «الخجولة» التي ترتفع بين الحين والآخر انتقاداً لممارسات السلطة لا سيما في الملف الحقوقي.