على غرار مشهد «التوقف القسري عن التعليم» يومَي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، الذي لم يشمل كلّ المدارس، كان مشهد عودة الأساتذة إلى التعليم أمس «جزئياً» أيضاً. فبعدما كان الهدف «غير المعلن» من التوقف عن التعليم انتظار مطلع الشهر الجاري وقبض الرواتب مع بدلات النقل المكسورة منذ بداية العام، تأخرّت الرواتب يوماً كاملاً ولم تصرف حتى مساء أمس، ما يجعل هؤلاء الأساتذة مفلسين حرفياً، لا يمتلكون أجرة الوصول إلى مراكز عملهم، عدا مصاريف بيوتهم الأساسية. إفلاس يعود إلى الأيام الأولى من الشهر الماضي، فالراتب أصبح أقل من «رويتب»، تشكّل أجرة النقل من المصرف وإليه لسحبه 6% منه!
التحرّكات بـ«المفرّق»
وعليه، يتداعى الأساتذة في الثانويات بشكل متفرّق للتوقف عن التعليم، وعدم الامتثال لقرارات الرابطة ولا لبعض مديري الثانويات الذين يشهرون سيف الاستجوابات والاستدعاءات بوجه المنتفضين. ففي إحدى ثانويات منطقة بيروت، رفض أستاذ، حضر إلى مركز عمله، الدخول إلى الصف، فتوقف التعليم في الثانوية بعدما لحق به زملاؤه. كما توقفت العملية التعليمية تباعاً في عدد من ثانويات العاصمة مثل عبد الله العلايلي، وفخر الدين. أمّا في ثانوية زاهية سلمان، فقرّر الأساتذة من تلقاء أنفسهم تقليص الدوام ليومين أسبوعياً فقط.
تنسحب المقاطعة بـ«المفرّق» على ثانويات منطقة جبل لبنان، حيث قرّر أساتذة ثانوية ناديا عون مقاطعة التعليم، فيما تبقى منطقة بعلبك الهرمل في ريادة هذه التحرّكات بعد دعوة الأساتذة إلى «جمعيات عمومية في الثانويات» وفق مقرّر الفرع علي خليل الطفيلي، الذي يؤكّد «وقوفهم في الفرع إلى جانب المطالبين بالحقوق، حتى لو لم تكن من صلاحياتهم». ويذكر أنّ ثانويتَي بدنايل وشمسطار توقف فيهما التعليم أمس بقرارات ذاتية صادرة عن الهيئتين التعليميتين فيهما.
في هذه الأثناء، يدعو مندوبو منطقة عاليه لـ«وضع مقترحات لاستطلاع رأي الأساتذة ومعرفة الخطوات التي يودّون القيام بها ليبنى على الشيء مقتضاه»، وفق عضو فرع جبل لبنان المستقيل هشام شيّا. هذه الخطوة يرى فيها شيّا «عودة للحياة الديموقراطية، التي تشكل تراثاً يجب المحافظة عليه في التعليم الثانوي، لا تحويله إلى نظام ديكتاتوري يزوّر نتائج التصويت في جمعيات عمومية، ما يفقده بالتالي القدرة على بناء الأجيال».

سيف الوزارة
إلا أنّ هذه الخطوات التصعيدية الفردية لم تبقَ من دون ردّ من قبل مديرية التعليم الثانوي على الأساتذة من قبل «أساتذة منتدبين لأعمال إدارية في وزارة التربية». فتشبه مديرة ثانوية في الشمال طلبات «الإبلاغ عن الأساتذة المقاطعين للتعليم» التي تصلها منهم بـ«التحركات المخابراتية»، وترفض «أن يتحوّل المدير إلى عنصر يعمل ضد الأساتذة، فهو منهم»، وتتخوّف من أن يؤدي القمع إلى «ترك نخب الأساتذة والشجعان منهم المهنة، نتيجة لانسداد الأفق»، متسائلة عن «دور رابطة الثانوي المتفرّجة على ما يجري، أو ربما مشاركة في التحرّكات المضادة للأساتذة».

الاستقالة من الروابط؟
«الرابطة مخطوفة، وقرارات الزملاء فيها ليست عندهم، بل في مكاتبهم التربوية» بحسب القيادي في التيار النقابي المستقل علي أسعد طفيلي. هذا القهر المتعدّد الأبعاد، النقابي والمعيشي، يدفع الأساتذة إلى التفتيش عن حلول، هذه المرّة من خارج صندوق روابطهم المسيطر عليها «من قبل أحزاب ترى في العمل النقابي أداة سياسية لتنفيذ أجندات، لا أداة مطلبية هدفها المحافظة على حياة كريمة للمنتسب إليها». ولعلّ المثل الأبرز على ذلك بحسب المعترضين «البيانات التي تصدرها المكاتب التربوية لتمجيد إنجازات وزارة التربية، والتأكيد على رفض الإضرابات والدعوة الى اعتماد أساليب بديلة من دون أن تأتي على ذكرها، فيمسي مطلوباً من الموظف الفقير المعدم الذي يتقاضى أجراً شهرياً لا يتجاوز الـ 80$ بعد عشرات السّنوات من الخدمة، الابتكار».
تتخوّف مديرة ثانويّة من أن يؤدّي القمع إلى ترك نخب الأساتذة والشجعان منهم المهنة


المعارضة النقابية في التعليم الثانوي ممثلة بحوالي 240 مندوباً (أقل من النصف بقليل) يمثلون 3000 أستاذ. ويتداعى المندوبون المعترضون إلى اجتماعات حضورية في المناطق، بشكل لامركزي، للتباحث حول إمكانية التغيير. وتتجلى باكورة هذه الأفكار من منطقة بعبدا، التي اجتمع معظم مندوبي الثانويات فيها، في ثانوية ناديا عون، مع حقوقيين لتدارس سبل التغيير، ووجدوا أنّ الأجدى هو «الخروج من الروابط عبر الاستقالات، ومن بعدها التأسيس لعمل نقابي حقيقي خارج ضغط الوزارات، عبر إقامة نقابات تعليمية تمثل الأساتذة وتتكلم باسمهم، تكون خارج السيطرة الحزبية». وعند اكتمال التحضيرات، الدعوة إلى مجالس مندوبين «بمن حضر» للإعلان عن سحب الثقة والخطوات التصعيدية.