ليس مألوفاً أن يقرّر مدير مدرسة رسمية إقفال المدرسة بالكامل، وإن حصلت في بعض الحالات النادرة عندما كانت تتأخر وزارة التربية في تحويل المستحقات إلى صناديق المدارس، ويجري التلويح بتسليم المفاتيح للوزارة أو المناطق التربوية احتجاجاً. لكن أن يتفق مديرو 12 مدرسة ابتدائية ومتوسطة في صيدا على «التعطيل القسري» ليوم واحد (أمس) فللأمر دلالة واضحة على العجز التام عن فتح المدارس، «وإذا كان هناك من لا يزال يضحي ويوافق على الاستمرار في التدريس رأفة بالتلامذة، فهذا لا يحجب العملية التعليمية المقنعة، إذ ليس مهماً أن يدخل هؤلاء الصفوف بل الأهم ماذا يتعلّمون»، كما تقول مصادر المديرين، من دون أن تخفي أن»حركتنا الاعتراضية باغتت رابطة المعلمين الرسميين التي كانت أعلنت، قبل يومين، التعطيل القسري للمعلمين غير القادرين على الوصول إلى المدرسة، وليس للمدارس والمديرين، وذلك لمدة ثلاثة أيام ابتداءً من أمس الإثنين وحتى غد الأربعاء».اعتراض مديري صيدا هو على قرار الرابطة «المعيب والذي يوحي بأنه يربط الحق بالمطالبة بتحسين الرواتب والوضع الوظيفي، بالقدرة على الوصول إلى المدارس، وكأنّ هناك استفتاء بشأن من يستطيع أن يحضر ومن لا يستطيع ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خسارة الحق، فيما في الواقع، لا أحد من المعلمين والمديرين قادر على الاستمرار في التعليم بالمطلق، لكن هؤلاء يدركون في قرارة أنفسهم أن تنفيذ الإضراب لثلاثة أيام أو حتى خمسة لن يهزّ أحداً من المسؤولين في الوزارة». إعلان الفشل النقابي، كما سمّته المصادر، «والاستسلام للواقع أمر مرفوض بالشكل والمضمون، وتسليم مفاتيح المدارس لمن يستطيع أن يديرها من الوزارة لن يكون خطوة مستبعدة».
تسليم مفاتيح المدارس لوزارة التربية لن يكون خطوة مستبعدة


المصادر وصفت أيضاً كلام وزير التربية، أخيراً، في إحدى المقابلات التلفزيونية، عن أن الحوافز للمعلمين (130 دولاراً) ستُدفع من قرض سابق لليونيسف بقيمة 50 مليون دولار، بـ»الخطير»، ولا سيما بعد بدء العام الدراسي، وهو يؤكد التسريبات الأخيرة، لجهة أن هناك خلافاً بين وزيرَي التربية والمال بشأن صرف هذه الأموال، إذ يصرّ الأخير على أن يشمل القرض كلّ موظفي القطاع العام وليس فقط المعلمين. وسألت المصادر ما إذن كان ذلك سيشكل مقدّمة لنسف الحوافز والاكتفاء بإعطاء ضعفَي الراتب، علماً أن المعدّل المتوسط لرواتب المعلمين في إحدى المدارس الرسمية في صيدا مثلاً هو مليونان و700 ألف ليرة، وأن راتب أحد الأساتذة الذين أحيلوا إلى التقاعد، أخيراً، لا يتجاوز ثلاثة ملايين و200 ألف ليرة. المدرسة نفسها خسرت في السنتين الأخيرتين 14 معلماً كُفُؤاً تركوها بحثاً عن وضع أفضل».
المصادر استنكرت أيضاً أن يقف وزير التربية في موقع المتفرّج على المضيّ في صرف «رويتب» زهيد دون غيره من الحوافز والبدلات الموعودة، وهو يكفي ثمن بنزين لأسبوعين فقط. فهناك معلمون كثر يأتون من أماكن بعيدة عن مقرّ المدرسة، ويدفعون 150 ألف ليرة يومياً، بدل كلفة النقل. يأتي ذلك وسط استمرار حرمان صناديق المدارس من مستحقاتها، وتوسّل المدير عامل النظافة ليبقى في مدرسته، إذ إنّ أجرة هذا العامل لا تتجاوز 145 ألف ليرة يومياً. تقول المصادر: «المعلمون لديهم حاجة حقيقية ولكنهم لا يزالون غير مستعدين لأن يبيعوا كراماتهم وأن يصبحوا عالة على أفراد عائلاتهم أو يتحوّلوا إلى شحّادين».