"سقى الله زمن الأون لاين". عبارة يردّدها الطلاب الجامعيون المقيمون في الهرمل بعد تضاعف كلفة النقل من منازلهم إلى جامعاتهم في بعلبك أو زحلة. وبدلاً من متابعة موادهم وأبحاثهم، باتوا ينشغلون بتتبّع أسعار المحروقات المرتبطة بسعر صرف الدولار في السوق الموازية. "أقرب جامعة تبعد ساعة ونصف ساعة، وتقع في مدينة بعلبك" بحسب الطالب الهرملاني علي الذي يتابع دراسته في فرع الجامعة اللبنانية. يحتاج الأخير إلى 160 ألف ليرة يومياً بدل الذهاب والإياب، ما يعني ثلاثة ملايين و500 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى مع الارتفاع المطّرد لأسعار المحروقات. مصيبة علي وزملائه تكتمل باضطرارهم إلى اجتياز أوتوستراد بعلبك للانتقال من "الفان" إلى الجانب الذي تقع فيه الجامعة. الاجتياز قد يكون مغامرة خطرة تكلف حياة بسبب سوء شروط السلامة المرورية التي أدّت إلى تعرض أكثر من طالب لحوادث صدم قاتلة.
لا تسعيرة
القلق من ارتفاع كلفة النقل ليس شعوراً عابراً لدى طلاب الهرمل، بل قد يجبر الكثيرين منهم على الانقطاع عن الذهاب الى جامعاتهم. وفي هذا السياق، لا يستطيع عضو نقابة النقل البرّي في البقاع أحمد الموسوي طمأنة الطلاب، بل يزيد من قلقهم: "أصحاب الفانات لا يلتزمون بتسعيرات النقابة وكل واحد فاتح ع حسابو". في حديثه إلى "الأخبار"، لفت الموسوي إلى أن النقابة "تصدر التسعيرات بالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنقل. لكن نظراً إلى تقلّبات سعر صرف الدولار وارتباط أسعار المحروقات به، لم نقم نحن والوزارة بإصدار أي جدول للتسعيرات منذ فترة طويلة". يرفض الموسوي تحميل النقابة والوزارة مسؤولية "فلتان" الأسعار. "في حال صدور أي تسعيرة في الوقت الحالي، لا تستطيع النقابة إلزام السائق بها إلا عن طريق التشهير به ليكفّ عن المخالفة".
الطاسة الضايعة سيدفع ثمنها الطالب وحده. سيجد الطالب نفسه ملزماً بدفع تسعيرات مختلفة في اليوم نفسه. جمعها يبلغ بالحد الأدنى ثلاثة ملايين ليرة، فكيف يمكن لأبناء الأطراف المحرومة توفيرها؟ فرع "اللبنانية" في بعلبك لا يشمل سوى اختصاصات السنة الأولى في كلية العلوم، بعدها يضطر الطلاب إلى متابعة السنوات اللاحقة في زحلة. ما يعني مضاعفة مبلغ الملايين الثلاثة! فيما افتقدت فئة الطلاب الذين يدرسون في جامعات بيروت ويتنقّلون يومياً من منازلهم وإليها في بعلبك والهرمل.

مبادرة الاتحاد
كلفة الوصول إلى فرع زحلة تزيد على أربعة ملايين و400 ألف ليرة شهرياً، بحسب استطلاع لعدد من سائقي الفانات العاملة على خط زحلة – بعلبك. البعض يقترح على الطلاب استئجار سكن في عروس البقاع. لكن بدلات الإيجار المسعّرة بالدولار الطازج أغلى من كلفة النقل اليومي. هذا ما اختبره الطالبان أمجد القبوط وحمزة بريطع اللذان تكبّدا بدل الإيجار 100 دولار شهرياً عدا عن تكاليف الخدمات من ماء وكهرباء وطعام وأثاث...
في ظل الأزمات المتصلة، لا يجد طلاب الهرمل مخرجاً لتكلفة تنقلاتهم خلال العام الدراسي المقبل. حتى إن مبادرة النقل الجامعي التي أطلقها اتحاد بلديات الهرمل منذ عام 2020 توقفت هذا العام. حينها، عمل الاتحاد على استئجار بعض حافلات النقل العمومي وتخصيص مرتّبات شهرية لسائقيها لكي يقلّوا الطلاب الى الجامعات وفق برنامج يومي محدد.
توقفت مبادرة النقل الجامعي التي أطلقها اتحاد بلديات الهرمل منذ عام 2020


حالياً، لم يعد الاتحاد قادراً على تغطية التكاليف بنسبة 60% عن كل طالب، بحسب رئيس الاتحاد نصري الهق. في حديثه إلى "الأخبار"، أوضح أن سبب تعليق المبادرة "عدم القدرة على تغطية الكلفة التي تستلزم حوالي ملياري ليرة سنوياً، فيما كانت تبلغ قبل الأزمة 99 مليون ليرة. "ميزانية الاتحاد لا تزال تردنا من الوزارة حسب سعر صرف 1500 ليرة. مع ذلك، لن نسمح بأن يفقد الطلاب الأمل. سنكون بجانبهم بما نستطيع".