يضع المركز التربوي للبحوث والإنماء اللمسات الأخيرة على مشروع هيكلية جديدة برعاية وزير التربية، عباس الحلبي، ممثلاً بـ«وكيله» لشؤون المناهج الرئيس السابق للمركز منير أبو عسلي، أو «المايسترو» كما يسميه الموظفون، بالنظر إلى امتلاكه سلطة فعلية في إدارة العمل. وكما في مشروع تطوير المناهج، يستعجل أبو عسلي لإنجاز الهيكلية وإطلاقها بأسرع وقت ممكن وإقرارها بقرار وزير مستقيل، مضفياً، بحسب مصادر متابعة، على العمل شيئاً من السريّة، من خلال حصر المطبخ الداخلي بحلقة ضيقة من الموظفين دون آخرين، وعدم الانفتاح على مروحة واسعة من الاختصاصيين في الإدارة التربوية والحقوقيين والخبراء الإداريين. وقد نقلت مصادر الموظفين عنه قوله خلال اللقاءات التشاورية بشأن الهيكلية، إن الإطلاق سيكون غداً، ليتبيّن أنه التاريخ الذي ينتهي فيه عقد أبو عسلي مع مشروع «كتابي» والذي يتضمن مهمتين: متابعة عملية تطوير المناهج المموّلة من البنك الدولي، ومواكبة الخطة الاستراتيجية الخمسية بالتنسيق مع منظمة الأونيسكو، التي تتولى بصورة غير مباشرة إدارة القطاع التربوي.
سحب صلاحيات المركز
وبحسب مصادر تربوية مطلعة على حيثيات فكرة التعديل، أو تغيير هوية المؤسسة، أن الاتفاق بين البنك الدولي ووزارة التربية بشأن حصول الوزارة على قرض وهبتَين بقيمة 204 ملايين دولار لمشروع دعم مبادرة توفير التعليم لجميع الأطفال S2R2، اشترط أن يجري تقييم كامل لدور الوزارة والمركز وإدخال آليات عمل جديدة، ومن ضمنها إعادة هيكلة المركز، وهو ما اقترحته شركة خاصة مكلّفة بهذه المهمة في نهاية عام 2019 ضمن عملية تقييم الاحتياجات أو ما سمي (capacity needs assessment)، وكان هناك طرح بتوسيع مكاتب (مصالح) في المركز يتصل بالمعلوماتية والموارد التربوية الرقمية وغيرها. لكن، يومها، لفت المشاركون في الاجتماعات إلى أن تعديل جزء من الهيكلية بقرار وزير أمر مخالف للقانون، باعتبار أن ما صدر بمرسوم في مجلس الوزراء يحتاج إلى مرسوم.
في هذا الوقت، بدأ أهل المركز يشعرون بأن هناك توجهاً لسلبه صلاحياته وسحب الداتا ونقلها إلى الوزارة، لا سيما في ما يخصّ الإحصاء التربوي، وهي مهمة أساسية من مهمات المركز، بحجة أن الجهات المانحة تواجه مشكلة في الداتا التي تتقاطع في المركز والوزارة، وأن هناك حاجة إلى توحيدها. وقد وُقّع بروتوكول بين وزير التربية السابق طارق المجذوب، ورئيس المركز السابق جورج نهرا لهذه الغاية، إذ حُصرت مهمة جمع المعلومات بالوزارة.

مجلس اختصاصيين ممسوك
هذا الانطباع القديم الجديد لدى الموظفين بشأن النيّة بإضعاف المركز وتفكيكه تدريجياً، تمهيداً لإلحاقه بالوزارة ووضعه تحت جناحها، راح يتأكد يوماً بعد آخر. علماً أن قانون إنشاء المركز الموضوع موضع التنفيذ بالمرسوم 2356 بتاريخ 10/12/1971 والمراسيم التطبيقية له، ينصّ على أنه مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. ومن الأمثلة الفاقعة تقويض عمل مجلس الاختصاصيين (المعطل حالياً بالمناسبة)، إذ يشير النصّ المقترح للهيكلية الجديدة على أن مجلس الاختصاصيين يتكوّن، إضافة إلى أربعة اختصاصيين ينتخبهم موظفو المركز الذين هم برتبة اختصاصي واختصاصي مساعد، من شخصيتين مشهود لهما بالكفاءة والخبرة ومفوّض الحكومة، يعيّنهم مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير واستشارة المجلس الاقتصادي الاجتماعي ونقابات أصحاب المهن الحرّة واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، بكلّ ما يعني ذلك من خضوع تعيين هاتين الشخصيتين لمزاجية الوزير واستنسابه. كذلك فإن المهام المنوطة بالمجلس، مثل السهر على إقرار مشاريع الخطط التربوية والمناهج التعليمية وسلالم التعليم وخطط البحوث التربوية وبرامج تأهيل المعلمين وتدريبهم، وإقرار آلية تقييم الكتب المدرسية والوسائل التعليمية ذات الطابع التربوي، تفترض، بحسب مصادر تربوية، أن يكون هناك رئيس أصيل للمركز لا أن يديره شخص بالتكليف خائف من الوزير وينفذ أوامره.
علامات استفهام حول الاستعجال والسرية في إنجاز الهيكلية


وفي وقت يُنتظر فيه فصل القرار التربوي عن السياسة، تتضمن الهيكلية الجديدة رفع عدد المكاتب في المركز من ستة إلى تسعة، بكلّ ما يعني ذلك من فتح بازار الوساطات السياسية. جميع الموظفين ستتغيّر مهامهم ما سيفرض إعداد مذكرات تكليف جديدة يوافق عليها الوزير.

حسابات طائفية
ولحسابات طائفية، استحدثت الهيكلية مكتباً جديداً تحت اسم الإدارة التربوية، بعدما كان قسم الإدارة التربوية تابعاً لمكتب الهيئة الأكاديمية. وهناك توجه، بحسب مصادر إدارية، إلى إسناد هذه المهمة إلى أستاذ ثانوي يعاون أبو عسلي في تنسيق الهيكلية وتنظيم مشاريع المركز مع البنك الدولي وأمانة سرّ المناهج ولا يزال يشغل في الوقت نفسه مركز مدير لأحد دور المعلمين، في ظلّ تشكيك بإمكانية الجمع بين المهمتين في المركز والدار. وللحسابات نفسها، يجري التداول بأن الشخص الذي كان يتولى رئاسة دائرة الإحصاء في مكتب البحوث التربوية مرشّح لتولي مكتب التخطيط المستحدث أيضاً. وفي السياق نفسه، كُلّف أحد أساتذة الفلسفة ليكون مساعداً في منسقيّة الأقسام الأكاديمية التي باتت ضمن مكتب المنهج الوطني، مع توجه لإعطائه صلاحيات واسعة نتيجة قربه من الوزير. كما طُرحت علامات استفهام بشأن إفراد مكتب خاص لضمان الجودة، عوض أن تكون وحدة ضمن مكتب، «إلا إذا كانت هناك رائحة تنفيع ما».
تبدو أكثر قرارات وزارة التربية في ما يتعلّق بالتربية خبط عشواء، فيما الأجدر بأصحاب القرار التربوي أن يصرفوا الجهد والمال على استراتيجيات أكثر إلحاحاً، إذ لم تصدر لغاية تاريخه استراتيجية تربوية (وليست إدارية) واحدة تعالج المشكلات الناشئة عن الأزمة في السنوات الثلاث الماضية. موظفو المركز ينتظرون أيضاً صدور سلسلتهم على غرار باقي موظفي الإدارات، علماً بأنهم يقبضون رواتبهم الحالية بقرار موقع من وزير التربية السابق طارق المجذوب، وهناك مرسوم آخر يتعلق بالأجراء ينتظر الإقرار، في حين أن وزير التربية لم يحدّد حتى الآن موعداً لرابطة موظفي المركز لمناقشته في مطالبها.