لجنة الأهل ولجنة المعلمين في مدرسة الحكمة – برازيليا أصدرتا بياناً مشتركاً حدّدتا فيه قيمة التبرع لصندوق دعم المعلمين تحت مسمى «تبرّع» ولكن صياغته تعني بوضوح إلزاميته، إضافة إلى تحديد مهل للتسديد. أما الجانب الاختياري فهو لمن يريد التبرّع بما يزيد عن القيمة الدنيا المحددة في البيان. علماً أن المدرسة كسائر المدارس رفعت القسط، بداية العام الدراسي.تشكيل الصندوق لم يصدر بقانون أو مرسوم أو حتى اتفاق برعاية وزارة التربية، بل صدرت التوجيهات لإنشائه من رؤساء الكنائس أو أصحابها وتمدد إلى المدارس العلمانية، في إثر الإضراب الذي أعلنه المعلمون في المتن وكسروان منذ 6 أسابيع، والذي طالبوا فيه بمساعدة اجتماعية قيمتها 100 دولار أميركي شهرياً، إضافة إلى بدل نقل يومي بقيمة 65 ألف ليرة، مع تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46 لجهة إعطاء الدرجات الست الاستثنائية.
في الوقت نفسه، تعكف الوزارة على صياغة تعديل المادة 2 من القانون 515/96 وتعديل النسب بين الإيرادات والمصارفات في الموازنات المدرسية ليتسنى للمدارس رفع أقساطها، ضمن سقوف واضحة ومحددة، وبشكل قانوني.
المدارس لا تستطيع الانتظار، تقرر وتنفّذ حتى لو كان الصندوق المزعوم مخالفاً للقانون في أوجه عدّة، سنعدد بعضها تباعاً:
– لا يجوز إنشاء صندوق أو جمع تبرعات من دون إذن من وزارة المال أو من خلال جمعية أو مؤسسة تصرح للجهات المعنية بالأموال بشفافية عن وارداتها ومصارفاتها.
– كما هو وارد في البيان، فإنّ الأموال ستُدفع إلى الإدارة المدرسية التي من المفترض توزيعها على المعلمين، وهو أيضاً مخالفة كون أي إيرادات للمدرسة يجب أن تدخل في موازنة المدرسة الأساسية، استناداً إلى استشارة هيئة التشريع والاستشارات 75/2015.
– لا يجوز للمعلمين تقاضي أموال من غير الإدارة المدرسية، ولا يجوز للأهالي إبرام عقود واتفاقات مع المعلمين مباشرة.
– وضع آلية لضمان توزيع أموال الصندوق بشكل شفاف بعد الترخيص.
- صندوق التبرعات لا يكون في أي شكل من الأشكال إلزامياً.
إضافة إلى هذه المخالفات، تبقى تساؤلات أخرى مطروحة: هل سيدفع المعلمون كونهم أيضاً أولياء أمور تلامذة في المدرسة هذه التبرعات كون الصندوق لا يخضع لقانون إعفاء أبناء المعلمين من الأقساط؟ ماذا سيحدث بأموال الصندوق عند إقرار تعديل المادة 2 من القانون 515/96 الذي سيؤدّي إلى رفع الأقساط حتماً؟ ماذا سيحدث للتلامذة الذين لم يسددوا التبرعات الإلزامية، هل سيتم التعامل معهم كما تعاملت المدرسة اللبنانية الكندية في النبطية، فمنعت حضورهم إلى المدرسة وسمحت للمتبرعين فقط باستكمال دروس التقوية، وكيف سيتعامل المعلّمون مع من تعثر في الدفع؟ هل سيعاقبونه بخفض العلامات؟
حدّد المشرّع إطاراً للعلاقة بين الأهالي والمعلمين ولم يجزها خارج إطار الإدارة المدرسية ومنع العلاقة المباشرة بينهما لحماية التلامذة من أي رد فعل أو رشوة محتملة. مثل هذا الصندوق هو رشوة منظّمة، تخيلوا أن أحد المتموّلين تبرع بكرم للصندوق، فماذا سيكون موقف المعلم أو الإدارة من أبنائه إذا لم ينجزوا امتحاناً ما أو ارتكبوا مخالفة ما؟ ويضاف إلى كل هذا أن الصندوق يجمع تبرعات بالدولار الأميركي وهو أيضاً مخالف للقانون ولا يأخذ في الاعتبار وضع الأهالي في هذه الأزمة.
نموذج الحكمة برازيليا متكرر في مدارس عدة، وهو مخالف لمعيارَي الأخلاق والقانون على السواء، ويتجاوز مسعى اللقاء التربوي لإيجاد حلول قانونية بتعديل المادة 2 من القانون 515/96، وفي حسابات بسيطة نلاحظ أن المدرسة ستحقق وفراً من هذا الصندوق. بحسب إحصاءات المركز التربوي تضم المدرسة نحو 1920 تلميذاً/ةً، عدد الإداريين 87 (46 «ملاك» و41 «تعاقد»)، والمعلمين 158 (126 «ملاك» و32 «تعاقد»). إذا اعتبرنا أن متوسط «تبرع» التلميذ/ة هو 175 دولاراً، سيكون مجموع التبرعات الإلزامية 336 ألف دولار، وسيتم إعطاء 100 دولار لكل معلم وموظف كمساعدة، وسيحصل بالتساوي كل فرد على 1370 دولاراً على دفعات أي ما يقارب 100 دولار لمدة سنة كاملة تقريباً. لكنّ المفارقة أن المتعاقد بالساعة لا يحصل على قيمة المساعدة نفسها من ناحية، ومن ناحية أخرى نتساءل كمراقبين لماذا تحتاج هذه المدرسة إلى هذا العدد من الموظفين الإداريين 87 إدارياً أي أن لكل 22 تلميذاً موظفاً إدارياً! الرقم مبالغ فيه جداً، ويبدو أن هناك تضخيماً لأعداد الإداريين 4 أضعاف على الأقل، بينما الأنطونية الدولية التي تضم أكثر من 3000 تلميذ/ة لديها 18 إدارياً.
صندوق التبرّعات رشوة منظّمة للمعلمين وإدارة المدرسة

لم تعِ لجنة الأهل في الحكمة برازيليا حجم التضخيم في موازنة المدرسة ولم تلحظ أن هناك عدداً كبيراً من الإداريين لا حاجة إليهم، وأن هناك نفقات سيترتب على الأهالي تغطيتها.
الإدارات المدرسية تخضع لقرارات أصحاب الرخصة، أي المؤسسات الدينية والبعثات والأفراد، ولا تتردد في مخالفة القوانين والأخلاق المهنية والدينية لجني أرباح من أقساط الأهل، إن عبر توظيف أشخاص وهميين، أو وظائف لا حاجة إليها أو تضخيم الموازنات ... كما لا تتردد في قضم راتب المعلّم/ة، أداة الإنتاج الوحيدة في المدرسة. ومن حق المعلمين التساؤل أيضاً لماذا وافقت المدارس اليوم على الدرجات الست؟ ولماذا لم تدفعها للمعلمين مع أنها تقاضت المبلغ من الأقساط منذ عام 2017؟ هل يثق المعلمون بلجنتهم التي تخالف القانون لجني أموال للمدارس على حساب المعلمين الأفراد، وهم يعلمون أنهم لم يحصلوا على حقوقهم السابقة أساساً؟
ومن المستغرب قبول لجان الأهل ولجان المعلمين بالتواطؤ مع الإدارة المدرسية وأصحاب الرخصة وتجاوز القانون وتجاوز الأخلاق، وهم المؤتمنون على الالتزام به، فلا عجب أن هذه البلاد عصية على الإصلاح، فهذا القبول بتجاوز القانون هو مؤشر إلى أنانية مفرطة لإيجاد حلول موضعية تُرضي من هو قادر على التبرع الإلزامي وتضع من هو غير قادر في موضع المستجدي.

* باحث في التربية والفنون