ليس عرض «بار فاروق» الذي ينطلق مساء اليوم ويستمر حتى 22 آب (أغسطس) ضمن «مهرجانات بيت الدين»، عملاً مسرحياً وغنائياً فحسب، أو سهرة كاباريه جديدة مع هشام جابر، بقدر ما هو وثيقة تاريخية عن بيروت، التي ميّزها الغرب والشرق عن سائر العواصم العربية. حكايات من المدينة الصغيرة التي كانت تسمى «زهرة سوريا» إبان الحكم العثماني، من الثلاثينات والأربعينات الى بداية الحرب منتصف السبعينات، يرويها نجوم وروّاد أهمّ مسارح العاصمة وأشهرها «مسرح فاروق». العمل هو أيضاً بحث قيّم في ذاكرة الأغنية البيروتية التي اندثرت.
هي قصة مسرح له تاريخ في بيروت. تاريخ رافق أجمل حقب المدينة برغم كل نكساتها، في ظل الحكم العثماني والاحتلال الفرنسي وما بعدهما. سمّي المكان على اسم الملك فاروق. وحين غيّر مالكوه اسمه بعد سقوط ملك مصر، بقي في ذاكرة الناس وعلى لسانهم اسم «مسرح فاروق» (راجع «الأخبار» ملحق مهرجانات الصيف). ذاع صيت المسرح، فقصده اللبنانيون والعرب وانتظروا وجوهه الجديدة (النمرة الجديدة). هكذا ضرب المسارح من حوله، فأفلست وتحوّلت الى دور عرض سينمائية، وبقي وحده في ساحة البرج. حَبَك هشام جابر قصّته داخل كواليس الكاباريه، ستّات الكاباريه، العاملين، الروّاد والزبائن، تتغيّرالاشياء والظروف من حولهم بمرور السنين، وفي كل حقبة يسردون قصصاً ويستقبلون وجوهاً جديدة.
ياسمينا فايد نجمة الكاباريه التي ستصبح في ما بعد، مديرته. أما لينا سحاب، فهي بائعة الهوى التي هربت من منزل أهلها، وجلبت معها اللغة الفرنسية والرقيّ، وهي تتباهى بثقافتها في البار وتعاير زميلتها رندة مخول، التي لا تتكلم لا الانكليزية ولا الفرنسية. كلّ يعيش قصته في بيروت، زوّار المسرح شخصيات متفاوتة كالبورجوازي، القبضاي، والجندارم الفرنسي وزبائن ستّات الكاباريه. ولستّات الكاباريه عصرهنّ الذهبي «نحنا وقاعدين بمطارحنا مننّجح وزير ومنسقط سفير» كما تقول الأغنية التي ألفها هشام لتدلّ على تأثير سيدات الكاباريه في المجتمع وفي السياسيين وفي دورهن في «مسرح فاروق». لا تخلو الأغاني التي ألّفها جابر للعرض من اللطشات السياسية، الفساد والصراع على السلطة والزعامة التي تمثّل جزءاً من تاريخ البلد لا حالة من الماضي القريب. فالسياسة والفساد كانا مصدر وحي لعمر الزعني أيضاً، ابن بيروت المغني والمونولوج المعروف الذي سيكرمه العرض الى جانب تكريمه للمغنين سامي الصيداوي، نجاح سلام، وداد، وكهرمان ومع لفتة أيضاً إلى شوشو. البحث الموسيقي في تاريخ الأغنية اللبنانية والبيروتية خاصة، سيكشف عن شكل ومضمون خاص اندثر مع غزو أغاني الريف اللبناني أجواء المدينة، من خلال زكي ناصيف والرحابنة، وسيكشف عن كواليس وأسرار بعض الأغاني المعروفة، لماذا ولمن جرى تأليفها وغناؤها؟ مثلاً لمن غنّى عمر الزعني «بحرية يا ريّس»، ولماذا قبل أن يغنيها وديع الصافي مع تعديل طفيف؟ شمل البحث أيضاً أزياء تلك الحقبة، مجتمعها وجوهها وأحداثها.

حَبَك جابر قصّته داخل
كواليس الكاباريه، وستّاته والعاملين فيه، والروّاد والزبائن

في «بار فاروق» تعاون جابر مع وجوه شابة معروفة على المسرح وفي الموسيقى، منهم من شارك في عرض «هشك بشك» وعروض أخرى في «مترو المدينة». سنستمع مجدداً إلى الفرقة الموسيقية بقيادة زياد الأحمدية (موسيقى، غناء، وإعادة توزيع) وسماح أبي المنى (أكورديون)، وزياد جعفر (كمان)، وبهاء ضو (ايقاع) ووسام دالاتي (غناء). كذلك تطل علينا وجوه جديدة كزياد عيتاني، وبشارة عطا الله، والموسيقيين أحمد الخطيب (ايقاع) وبشّار فرّان (كونترباص)، حيث يؤدي معطم الموسيقيين دوراً آخر على الخشبة. تؤدي لينا سحاب دور الفتاة الهاربة الآتية من طبقة راقية إلى الكاباريه لتفني فيه صباها. بعدما شاركت في «هشك بشك»، تقول الفنانة الشابة لـ «لأخبار» إنها اكتشفت أشياء كثيرة عن بيروت خلال البحث الذي أجراه هشام جابر للعرض. هي حقائق عن المدينة الأكثر حرية والأكثر انفتاحاً بين جاراتها، عن أغانيها وعن شخصياتها، إضافة الى تعرّفها على تاريخ أهم مسارح بيروت. العرض سينقل أجواء الفرح وأجواء الفن، التي كانت تعيشها بيروت. وهذا المسرح استضاف وساهم في إطلاق أسماء كبيرة في عالم الفن. للقبضاي الذي كان يحمي أبناء المنطقة وموظفي الكاباريه، وخاصة نجماته وراقصته، حكاية أيضاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى النادل زياد عيتاني، الذي يريد إثبات نفسه على خشبة المسرح والخروج من موقع النادل، كي يستطيع الفوز بقلب إحدى بنات الكاباريه، لكن بائعة الهوى بدورها تنتظر الفوز بزبون يتردد كل ليلة، هو الزبون الثري بشارة عطالله. لن تنتهي حكايات «مسرح فاروق». سيستمر العرض بصخب وصولاً الى الحقبة الأهم في تاريخ بيروت والكاباريه أي فترة الستينات وبداية السبعينات؛ بيروت تعيش الثقافة والفن والتطورات السياسية فيها وفي المنطقة، وتستمر العروض الى بداية الحرب، حيث تدخل أصوات الضرب والقصف الى مسامع سهارى الكاباريه، فكيف سيتصرّفون؟ علينا ان ننتظر مشاهدة العرض الذي انتقلت تمارينه إلى بيت الدين منذ 4 أيام، كما زيد 150 مقعدا، ليستطيع المسرح استيعاب الحجوزات الكثيرة. الليلة سنترك خلفنا بيروت الحالية ونذهب في رحلة نحو بيروت الأمس، علّنا نستعيد القليل من صورتها الجميلة، ونرى ما الذي فعلناه بـ «ست الدنيا».

«بار فاروق»: ابتداء من مساء اليوم حتى 22 آب (أغسطس) ــ «مهرجانات بيت الدين». للاستعلام: 01/373430