تونس | حطت سفينة الرحالة ماركو بولو وهو في «طريق الحرير» في قرطاج، ليس في مينائها ولكن على ركح مسرحها الأثري، في ثاني عرض لهذا العمل الجميل، بعد بيت الدين في لبنان سنة 2013.العرض مستلهم من كتاب تاجر البندقية ماركو بولو «كتاب الأعاجيب» الذي دوّن فيه ما عاشه من مغامرات خلال رحلاته وأسفاره ولقائه مع شعوب مختلفة منذ أن قادته الأيام من إيطاليا إلى إمبراطورية المغول في آسيا.

وقبل وصوله، كان ماركو بولو قد مر بالبحار والمحيطات وجبال الهملايا والهضاب القاحلة والصحاري التي تفصل قصور البندقية الغنية عن القصور الباذخة لإمبراطور المغول والصين.
الرحلة رواها على لسان ماركو بولو الفنان التونسي محمد علي بن جمعة الذي تحدث عن رحلته منذ خروجه من بلده إيطاليا وحتى العودة إليها، متحدثا عن الذي لاقاه أثناء الرحلة. تحدث عن الجغرافيا والتاريخ والناس والقصور والملوك وغير ذلك، داعياً السامعين إلى الالتحاق به وبرحلته الممتعة. رحلة راوحت بين الحكي والموسيقى الآتية من أنحاء قصيّة في العالم، تترجمها أصوات جميلة وقوية على غرار الغني الإيراني محمد معتمدي والتركية يابراك سايار.
في العرض الضخم، شعر ملحمي ورقصات حربية ورقصات تقليدية مميزة آسيوية وغناء وموسيقى تروي حكاية الشرق العجيب، وليس عليك أن تفقه اللغة أو أن تكون عارفاً بالقصة مسبقاً، فالنوتة الموسيقية مجمّعة للثقافات وإن تباعدت، موحدة للأفكار وإن تشتت، عليك فقط أن تفتح قلبك قبل أذنيك لتنال من فيض الرحمات الموسيقية والدفّاقة.
إنها دعوة رائعة لاكتشاف تراث عجيب يعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
مرّ ماركو بولو بمساحات قاحلة ومر بشعب الرجبورا الذي بنى حسب الراوي مملكة الموت في قلب هذه المساحات الشاسعة القاحلة، مر بطبيعة الحال ببلاد فارس والعراق والهند، مدوّناً ما عاينه في هذه البلدان التي تنضح بالتاريخ والحضارة.
تحدث خاصة عن ملك إمبراطور الأباطرة المغولي كوبلاي خان صاحب القصور الفخمة والحياة الباذخة والسلطة الواسعة. تحدث هو وغنت يابراك سايار ومحمد معتمدي الذي زار تونس في 2013 و2015 ضمن عرض الفنان التونسي جاسر حاج يوسف، وقد أصبح له جمهور ألف صوته الفريد، وعزف العازفون على آلات منها المألوف وبعضها أتى من وراء البحار والجبال، من أقصى الشرق.
حكايات، غناء، عزف ورقص أيضاً، ترجمت كلها ثراء الرحلة وكثرة فصولها وزخمها المتقاطر ألواناً ومعاني، معنى أن يكون الإنسان واحداً ولو اختلفت الجنسيات والأعراق والأديان، وأن يلتقي كل هؤلاء على خشبة المسرح الأثري في قرطاج الذي جمع الشرق بالغرب، فكان ركحه نقطة التقاء بين مجموعتين موسيقيتين، الأولى تونسية بقيادة المايسترو رشيد قوبعة، والثانية مختلطة الجنسيات عزفت مقاطع من أقصى الشرق.