الربيع العربي، المرأة، مسيحيّو الشرق... عناوين إشكالية يطرحها «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت». عناوين يُفترض أن تدرج كلّها تحت موضوع عام هو «كلمات الحرية»، إذاً اختار الفرنسيّون في لبنان هذا العام، عبر «المركز الفرنسي في لبنان» مجاراة رياح التغيير التي تهبّ على العالم العربي عبر سلسلة ندوات ولقاءات مع المؤلفين، لكن هل المركز وحده هو من وضع برمجة المعرض؟ وماذا عن المنظم الرئيسي، أي «نقابة مستوردي الكتب في لبنان»؟ وهل للشركاء الآخرين دور في تحديد البرمجة، أم أن مساهمتهم تقتصر على الجانب المالي؟
حين وجّهنا السؤال إلى أوريليان لوشوفالييه، مدير «المركز الفرنسي في لبنان»، أوضح أن «المنظّم الرئيسي هو النقابة، وخصوصاً أن هذه التظاهرة لبنانية بامتياز». قبل أن يضيف إن المركز يأخذ على عاتقه دعوة الكتّاب الفرنسيين، والإعداد للافتتاح، والتواصل مع الإعلام... إلا أنه يستدرك بأن المركز لا يتفرّد بتحديد الموضوع العام للمعرض، «نحن نقدّم اقتراحات، ويعود القرار النهائي إلى النقابة». تصريح يبدو مختلفاً عمّا يكشفه نقيب مستوردي الكتب بيار صايغ: «اختيار المواضيع يجري بالتوافق بين المركز والنقابة»، فيما يؤكّد ألكسندر نجّار (شريك في التنظيم عبر مؤسسته «سيدرونا») أن المركز الفرنسي هو صاحب القرار في اختيار العنوان العريض للتظاهرة. ولعلّ الموضوع الأبرز هذا العام سيكون «الربيع العريي»... «بعيداً عن السياسة»، أو على الأقلّ هذا ما تحاول المشرفة على المعرض مارتين جييه إقناعنا به. هل هذا ممكن حين يكون الطرف المنظّم صاحب مصالح استراتيجيّة في المنطقة التي تعيش اليوم في قلب دوامة التحوّلات والمتغيرات؟ الجواب بسيط (وتقني) بالنسبة إلى جييه: «هناك مجموعة كتب صادرة تتحدث عن هذا الموضوع». من يطّلع على برنامج المعرض يكتشف أنّ عدد الكتب الصادرة عن الربيع العربي التي أضاء عليها المعرض هذا العام لا يتخطّى الخمسة. ألكسندر نجار يبدو أكثر صراحة: في النهاية «سيدرونا» هي التي اختارت هذا الموضوع لإدراجه في برنامج المعرض، كما أنّه يحاضر في إحدى الندوات عن الموضوع عبر كتابه Kadhafi : Anatomie d’un tyran. الكاتب اللبناني الذي يوقّع ثلاثة كتب في المعرض، ويشارك في محاضرتين، إلى جانب مساهمته عبر «سيدرونا» في تنظيم المعرض، يقول إن الندوات التي تدور حول الربيع العربي «لن تكون موجّهة ضدّ أحد، وستبتعد عن الاصطفاف السياسي، بل كان طبيعياً أن نتطرّق إلى هذا الموضوع، وخصوصاً أننا في لبنان، كنّا السباقين في مجال الثورات»! توازن يبدو أن المشرفين على المعرض يحرصون عليه في أحاديثهم الإعلامية، لكنّه لا ينعكس بالضرورة على البرنامج لجهة المحاور وطريقة طرح القضايا وأسماء المشاركين.
إلى جانب الربيع العربي، تبرز مواضيع أخرى «يقوم كل شريك في المعرض بتحديد جزء منها». ولعلّ الشركاء الأبرز هذا العام هم «سيدرونا»، وضيفة الشرف، أي بلجيكا، مع دول فرنكوفونية أخرى مثل كندا، وسويسرا، ومؤسسات مثل... «بنك ميد»... إلى جانب المكتبات. وكل هذه الجهات تسهم إسهاماً متفاوتاً في الكلفة المادية للمعرض: المكتبات تدفع ثمنّ استئجارها للأجنحة (بين 60 وتسعين دولاراً كما يوضح الصايغ). المركز الفرنسي يسهم بنحو مئة ألف دولار، وفق الأرقام التي زودنا بها لوشوفالييه. أما النقابة التي تتحمّل العبء الأكبر من الكلفة، فتسهم بحوالى مئتي ألف دولار «من دون أي ربح مادي، بل نكتفي بالدعاية التي يؤمّنها هذا المعرض» يقول الصايغ. قد يبدو ذلك غير مقنع لبعضهم، لكنّها الحقيقة الرسميّة المعلنة على الأقلّ.
من جهته، يتحدّث ألكسندر نجار عن مبلغ يقارب 20 ألف دولار تدفعه «سيدورنا» ويقسّم على دعوة بعض الكتّاب المشاركين في النداوت التي تنظمها المؤسسة، وتغطية كلفة التواقيع والمحاضرات، إذاً لا تشارك مؤسسة نجار فقط في تنظيم المعرض، بل أيضاً في تمويله من «مالنا الخاص» يقول، فاتحة لمديرها أن يتصدّر المنابر والأضواء. الكاتب والمحامي والإعلامي والناشط على شتّى الجبهات، يشدّد على أن مؤسسته لا تتلقى مساعدات من أي جهة أجنبية «تمويلها ذاتي، تهدف إلى مساعدة الكتّاب الشباب على نشر كتبهم، وترجمة بعض الأعمال العربية، كما نصدر ملحق «لوريان ليتيرار» الذي يرأس نجّار تحريره، كما هو معروف.