جميل أن ينظّم معرض لإحياء لغة موليير، تحت شعار «كلمات الحريّة». والأجمل أن يتمّ الاحتفاء بالحريّة تلك في عالم عربي يضجّ بالتحوّلات. لكن مهلاً: من يحتفل بماذا؟ إذا وضعنا جانباً تجّار الكتب، وجهاز ألكسندر نجّار للدعاية والترويج، فإن «المركز الفرنسي في لبنان» هو المنظّم الفعلي لـ«معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت». أي أن حكومة ساركوزي مشغولة بحريّتنا التي طالما دعمتها، مثلما حمت مصالح الطبقات الدنيا والوسطى في فرنسا نفسها، وحقوق المهاجرين العرب هناك، ومثلما تدافع بشراسة قلّ نظيرها عن قضايا الشعوب العربيّة وقضيّة فلسطين.
قبل أن تحقّق أدنى مكتسباتها، تحوّلت «الثورة العربيّة» إلى فولكلور كوني. ولعلّها ثورة داخل الثورة، أن تصبح مصدر وحي للصالون الفرنكوفوني الذي يرفض استقبال كتب باللغة العربيّة، أي أنّه لم يتجاوز ثقافة الغيتو، ولا يهمّه خلق تلاقح بين إرث موليير والبيئة المحليّة. كأن ممثلي الفرنكوفونيّة الرسميّة لم ينتبهوا إلى أن لبنان أوسع من الجماعات المتقوقعة المتعالية على محيطها، والتي لا تعرف أين تقع تعز أو المنامة أو درعا أو بور سعيد أو سرت أو سيدي بوزيد.
من يذكر موقف فرنسا الرسمي من ثورة الكرامة، قبل هروب «الصديق بن علي»؟ وموقفها من «ثورة ٢٥ يناير» قبل ترنّح مبارك «راعي الاعتدال العربي»؟ الآن بات الرفيق نيكولا يعتمر بيريه التشي على الخنادق والمتاريس، وإلى جانبه وزير الحريّات، المحارب القديم BHL. كنّا نتمنّى أن نجد بين الندوات واحدة بعنوان «لماذا تأخّرت فرنسا عن ركب الثورة العربيّة؟». أو «أيّة ضمانات تقدّمها الديموقراطيّات الغربيّة للشعوب العربيّة في معركة الحريّة والدفاع عن المصالح والحقوق؟»، أو «الحكومات الفرنسيّة المتلاحقة وقضيّة فلسطين». هل سيتحدّث صديقنا فاروق مردم بك عن ذلك في ندوته «فرنسانا»؟ ألم يجد المبرمجون مكاناً، بين «المحكمة الدوليّة» و«مسيحيي الشرق»، لندوة مثلاً عن «الشعوب في مواجهة الاحتلال، بين المقاومة الفرنسية والمقاومة الإسلاميّة»؟
في الربيع الهشّ الذي يتعرّض لمختلف محاولات التدجين والاحتواء، تستحقّ بيروت فرنكوفونيّة أخرى بلا شك. حين تمنع أفلام وأعمال إبداعيّة في لبنان، نتمنّى أن يعرضها «المركز الفرنسي» مثلاً، وأن يتبنّى معركة المجتمع المدني من أجل تطوير قوانين الرقابة كما يفعل «معهد غوته». فإما أن يكون موليير عربيّاً، أو نبقى أمام آلة صدئة من مخلّفات الانتداب. فرنسا نفسها اليوم في حاجة إلى انتفاضة. وسنكون إلى جانب الشعب الفرنسي دفاعاً عن الحريّة في عقر داره، حيث يضيّق الرئيس على الصحافة، وحيث عطّلت مجموعة من الأصوليين المسيحيّين عرضاً للإيطالي روميو كاستللوتشي في «مسرح المدينة» الباريسي العريق. تلك سابقة لم تشهدها مدينة الأنوار منذ اعتداء اليمين المتطرّف على «الأوديون» أواخر السيتينيات، لمنع تقديم «سواتر» لجان جينيه. يومذاك، كان الجرح الجزائري لا يزال راعفاً.