القاهرة | لا تزال قناة «مصر الآن» تواجه مصير الإغلاق الذي انتشر بقوة في الأيام الأخيرة بل تحدد له موعد أمس الإثنين. القناة التي سوّدت شاشتها لساعات عدة منذ فترة، عادت إلى البث المباشر أخيراً في تأكيد على ما تردد عن وجود صراع بين فريقين داخل الجماعة المصنفة «إرهابية» في المحروسة. وقد نفت مصادر تركية أن تكون أنقرة هي التي ضغطت من أجل الإسراع في إغلاق القناة.
في الواقع، هناك صراع على إدارتها بين مجموعة ما يعرف بإدارة الأزمة التي تشكلت في شباط (فبراير) 2014، وبين قيادات مكتب الإرشاد القديم التي يتزعمها نائب المرشد محمود عزت. أمر يؤكد أنه حتى لو توقفت القناة قريباً، فلن تكون الأسباب سياسية أو مادية. ولو استمرت، فقد تشهد تغيراً في سياستها التحريرية بحسب الفريق الذي سيسيطر عليها بشكل نهائي. وتعرضت القناة لانتقادات حادة من أنصار التيار الإسلامي أخيراً بعدما ظهر على شاشتها القيادي الجهادي عاصم عبد الماجد ليؤكد أنّ اعتصام رابعة كان يهدف إلى تفكيك الجيش المصري. في المقابل، خرج القيادي حمزة زوبع عبر قناة «مكمّلين» ليعترف بأنّ الاعتصام المذكور لم يكن يهدف إلى إعادة محمد مرسي إلى القصر، بل إلى التفاوض بين الجماعة والدولة المصرية، فيما كان المعتصمون رهينة. هذا التضارب يفسّر ربّما الانهيار المتتالي للشاشات الإخوانية التي لم يبق منها فعلياً سوى «مكمّلين» التي تبث أيضاً من تركيا بعد تراجع الإقبال على «مصر الآن» وتغير ترددها خلال الأزمة الأخيرة أكثر من مرة. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن اعتبار «الجزيرة» القطرية أو «العربي» التي تتخذ من لندن مقرّاً لها إخوانيتين بشكل مباشر، على عكس «الشرق» و«مصر الآن» و«الثورة» و«مكمّلين» و«رابعة». هذه الشاشات الخمس وقعت أخيراً في أخطاء إعلامية وإنسانية نافرة، اعترف بها صحافيون محسوبون على الكتلة المناهضة لثورة «30 يونيو» ولنظام الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، من بينهم سامي كمال الدين وعمرو فراج. كلاهما عزى ما جرى إلى السياسة الإعلامية غير الرشيدة للقائمين على «مصر الآن» ومن قبلها «الشرق» و«رابعة»، إذ شهدت دعوات تحريض دموية غير مسبوقة. دعوات زادت من حجم الكره لدى المصريين المناهضين لحكم الإخوان إلى درجة أكبر من «الجزيرة». هذه الأخيرة خالفت قواعد كثيرة لكنّها لم تتورّط مثلاً في التحريض على قتل ضباط الشرطة وأبنائهم، كما فعل محمد ناصر المذيع الرئيسي في قناة «مصر الآن».
على مستوى المضمون، لم يكن للقنوات الإخوانية أن تستمرّ كثيراً حتى في غياب الضغوط، لا سيّما أنّها لا تملك سوى برنامج رئيسي فقط. ويبدو أنّ الوجوه الإعلامية الإخوانية قرّرت عدم الاحتشاد في شاشة واحدة. على سبيل المثال، انطلقت «الشرق» في نيسان (أبريل) 2014 بوجود معتز مطر ومحمد ناصر علي، قبل أن ينفصل الأخير ويتحوّل إلى مذيع رئيسي في «مصر الآن». ومن غير المعروف ما إذا كان هذا الانقسام بهدف الحصول على تمويل مستقل لكل قناة، ولضمان عدم اختفاء الوجوه دفعة واحدة في حال إغلاق المؤسسة.
ملخّص ما يجري الآن أنّ حبّات عُقد الإعلام الإخواني أوشكت على الانفراط بالكامل، والأمر لا يرجع فقط إلى استقرار النظام في مصر، بل لأنّ الخطاب الإخواني خرج عن نطاق المعارضة والمطالبة باستعادة شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي. وهو ما لا يمكن للشارع المصري أن يقبله في ظل دعم القنوات نفسها للعمليات الإرهابية من خلال التحريض عليها والترحيب بها. كما أنّه ما زالت لدى المصريين حساسية كبيرة من المعارض الذي يقيم خارج مصر، ولو كان المعارضون داخل البلاد غير قادرين على الكلام والحركة من دون ملاحقات وحملات تشويه.