الجزائر | «أخيراً تحركت الجثة... صوت صدر عنها حين استعد الناس للدفن». تبدو هذه الجملة الخالدة للكوبي سيفيرو ساردوي أفضل وصف لإقامات الإبداع التي يشرف عليها الشاعر بوزيد حرز الله. بفضلها وبفضل نشاط «ليالي الشعر»، تمكّنت الجزائر من بعث تظاهرة «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015» التي لا تجد أي صدى حتى الآن في الشارع القسنطيني نفسه، بسبب غياب سياسة واضحة لمحافظ هذه التظاهرة الكبيرة بالاسم، الصغيرة من حيث الصدى.
الدورة المهداة إلى الروائي الراحل الطاهر وطار، تسجّل هذه السنة عودة «إقامات الإبداع» إلى الجزائر بعد 8 سنوات على احتضانها ضمن تظاهرة «الجزائر عاصمة للثقافة العربية». بين الجبل والبحر، اختار بوزيد حرز الله أن يجمع 18 شاعراً في مدينة القديس أغسطينوس عنابة، حتى يتناغم موضوع الإقامة «المحبة» مع مدينة الكتابة. تحت عنوان «للمحبة نكتب»، جاء الخيار جيداً، نظراً إلى واقع الطقس في مدينة قسنطينة الذي لا يساعد على الإبداع، ولا سيما أنّ الغرض من هذه الإقامة الإبداعية هو كتابة تسعة نصوص مشتركة يكون موضوعها «المحبة». من 5 حتى 15 آب (أغسطس) 2015، شارك الشعراء والشاعرات، الجزائريون: رمزي نايلي، نصيرة محمدي، عبد الرزاق بوكبة، سلوى لميس مسعي، لميس سعيدي، خالد بن صالح، قادة رحو، عمار مرياش، عيسى قارف وجمال بن عمار، إلى جانب التونسي شرف القرقني، والسورية بسمة شيخو، والمغربيين عادل لطفي وعمر الأزمي، والعراقيين فينوس فائق وعلي البزاز، والإيرانية مريم حيدري، والليبي محمد علي رمضان الدقلي.

يشارك 18 شاعراً
في تأليف نصوص
ستصدر في كتاب

تعتبر الشاعرة الجزائرية لميس سعيدي هذه التجربة «فرصة للكتابة خارج لحظة الكتابة التي نعرفها، خارج تلك المنطقة من الوجدان حيث نتجاوز التأثّر ونصل إلى الأثر، الأثر الذي تتركه فينا التجربة الإنسانية، الأثر الذي يخلق لحظة الكتابة، ففي مدّة قصيرة نحن مطالبون بكتابة نص شعري مشترك، وبعيش تجربة تخلق الأثر وبأن يخلق الأثر النص الإبداعي، وكل هذا بالاشتراك مع شاعر «آخر» يملك حساسية مختلفة تجاه اللغة والوجود والشعر، نخوض التجربة بروح مغامرة الانفتاح على مدينة عنابة الفاتنة بسلاسة مفرداتها الإنسانية وتعدّد مناخاتها التاريخية والثقافية والجغرافية، ومغامرة أن يأتي النص من طريقين مختلفين ليكتشف ذاته في لحظة استثنائية وأصيلة ومغايرة تماماً لما اختبره من قبل». وغير بعيد عن انطباع لميس، تعتقد السورية بسمة شيخو أن هذه الإقامات «تجاوزتْ التّوقعات التي حيكت حولها بخيوطٍ واهنة منتظرةً نصوصاً شعريّة مشتركة فقط! تحررتْ من تلك الشبكة الهشة فكانت ــ ونحن في منتصفها الآن تقريباً ــ أكبر من النّصوص؛ فالحياة المشتركة التي يعايشها 18 شاعراً جعلتنا نعيش الشعر ونختبر تفاصيله، من خلال زيارات لأمكنة تستحضر كلّ سؤال عالقٍ في فضاء الكلمات وتصفّنا أمامه كإشارات استفهامٍ وتعجب. سيُكتب عدد من النصوص، كلّ نصٍ سينجزه ثنائيٌ شعري، الروعة تكمن في تجربة الشاعر في فتح ستار عالمه الخاص أمام آخر، يمسك بيده ليجمّل عالمه بما يحمله ويختزله بكلماته. النجاح هنا بالتجربة والمحاولة، فالشعر كما الحياة لا فشل فيه ولا نجاح، بل مجرد محاولات». في النهاية، لم تكن محاولات فحسب، فقد أنجز الشعراء المشاركون حتى قبل انتقالهم إلى قسنطينة تسعة نصوص مذهلة سيلقونها على «مسرح قسنطينة»، كما ستطبع في كتاب قبل مغادرتهم. العمل الجاد للشاعر بوزيد حرز الله في تحضير وإدارة إقامات الإبداع، لم ينفخ روح الحياة في جثة تظاهرة «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية» فحسب، بل أيضاً أسهم في التأسيس لتقليد إبداعي لم تعرفه الجزائر من قبل، قد يتكرس ببعض الإصرار.