في روائي «جوق العميين» (2015 - «الوهر الذهبي» في «مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي» ـــ 2015)، يعود المغربي محمد مفتكر (1965) إلى «سنوات الرصاص» في سبعينيات المغرب. طفل يراقب العالم ببراءة وعشق لجارته. فرقة يدّعي رجالها العمى للعزف في أعراس النساء. شبكة علاقات توضّب صراعات بين ابن وأب، بين راقصة وذاتها، بين يسار طامح إلى الديمقراطيّة، ومتشبّثين بالماضي الديني والاجتماعي.
هذه السينما المغربية الجديدة لا تركن إلى الماضي. لا يطغى الشكل على المضمون، كما حدث في سينما مفتكر نفسه سابقاً («البراق» 2011، والأفلام القصيرة).
معالجة التيمات الحسّاسة، تفترض تمكّناً تقنياً قادراً على تقديمها بشكل لائق. ثراء بصري يأخذ دراما الضوء، وتأثيث الأبعاد اللونية بعين الاعتبار. احترام شريط الصوت، وصنعة التوليف المتقن، لبلوغ أعلى سقف ممكن من الجودة. تأثّر واضح بالسحر الإيطالي منذ أيام روسليني وفيسكونتي دي سيكا. عدم الاكتفاء بالمستوى الأول من القراءة، كما فعلت العديد من الأفلام الشعبوية السابقة. تنوّع في البنى وأساليب السرد حسب المقتضى والرؤية. كلاسيكي متخيّل في «جوق العميين»، وروائي بنفس تسجيلي في «هم الكلاب» (2013) لهشام العسري. بالعودة إلى جديد، فمحمد مفتكر الآتي من النقد وورشات العمل والاشتغال تحت إدارة مصطفى الدرقاوي، لا تبدو قراءة الماضي عنده هروباً من تحدّي الراهن، بقدر ما هي حجّة لوضع الشريحة ككل تحت المجهر. الدعوة إلى الديمقراطية مطلب بديهي دائم. رؤية الواقع بعيون مفتوحة رسالة واضحة. مواطنه ابن الشمال المغربي طارق الإدريسي (1978) يفجّر أكياس الدم المتروكة في الجغرافيا النائية («الأخبار» 6/7/2015). فيلمان قصيران هما «أرهاج» (السم – 2007) و«الدنيا تتقلب» (2013)، ووثائقي طويل هو «ريف 1958/ 59 – كسر جدار الصمت» (2014)، تشكّل ثلاثية الذاكرة السوداء، والحقيقة النسبية، والالتباس التاريخي، والأسئلة الشائكة.

لا يتوانى طارق الإدريسي عن التحرّش بأعلى المؤسسات كالقصر والجيش

مَن أمر؟ ومن نفّذ؟ ومن استفاد؟ الإدريسي لا يتوانى عن التحرّش بأعلى المؤسسات كالقصر والجيش. دعوات صارخة إلى إخراج الشفرة المغروسة في الجلد. مع ذلك، تبقى خلخلة الراهن السياسي في السينما المغربية، حقلاً لم يُحرَث كما يجب حتى الآن.
عبد الإله الجوهري مغربي آخر لا ينسى المرور على حقبة الرصاص في «ماء ودم» (2014 - أفضل فيلم قصير في مهرجان السينما الافريقية «فيسباكو 2015» في واغادوغو في بوركينا فاسو، وتنويه في «مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي» 2015). الروائي القصير يصوّر دموية بعض العادات والتقاليد بشراسة ومباشرة. لا شكّ في أنّ الدين مكوّن رئيس في الشخصية المغربية، رغم المفارقات الكثيرة والأسئلة الكبيرة التي ترافق ذلك. هكذا، يبدو التحرّش بالراسخ غوصاً خطراً. هاجس الحذر يتعاظم مع الاقتراب من العمق. أسماء مثل عربي بنشقرون، وحميد بناني، وسهيل بن بركة، ومؤمن السميحي، وأحمد المعنوني، وأحمد البوعناني، ومصطفى الدرقاوي، ونور الدين لخماري، وليلى المراكشي، وعزيز السالمي، وداوود أولاد السيد، وسجين السينما محمد الركاب بسبب ديون أيقونته «حلاق درب الفقراء» (1982)... كلها تدعو إلى البحث والقراءة، لفهم السيرورة التي أفضت إلى «الآن وهنا».
كذلك، يتبنّى الجزائري محمد محمدي (1962) «القضية الصحراوية» في «رسالة إلى أوباما» (2014)، من خلال عائلة تعيش في مخيم للاجئين. ربّ عائلة يخطّ رسالة إلى الرئيس الأميركي، عن حال عائلته وكوارث «الاحتلال» المغربي. التسجيلي أثار حفيظة الوفد المغربي في «مهرجان وهران» الأخير، حتى أنّ بعض أفراده هدّد بالانسحاب والمغادرة. لا جديد في الحساسيات المغاربية بطبيعة الحال. «المهرجان الدولي لسينما الصحراء الغربية» دليل آخر على الحماس السينمائي الجزائري بخصوص القضيّة. إحدى نتائجه كانت زيارة النجم الإسباني خافيير بارديم لمخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر عام 2008. لاحقاً، أنتج وعمل في وثائقي «أطفال الغيوم: المستعمرة الأخيرة» (2012) تحت إدارة مواطنه ألفارو لونغوريا.