إذا مررتم مقابل حديقة الصنائع، فلا ترتعبوا من الصور المعلّقة على السياج. إنّها ليست لوحات إعلانية لمشروع عمراني سيطيح الحديقة (أقله ليس حالياً)، بل إنه معرض «بيروتوبيا» للمصورة اللبنانية رندا ميرزا. «بيروتوبيا» الذي يعدّ الجزء الأول من معرض مزدوج يقام جزؤه الآخر (Remaking the city) في غاليري «نائلة كتانة كونيغ»، مستوحى من الإعلانات المزروعة في بيروت التي تشكّل سياجاً لورش البناء، مانعةً العين من النظر إلى الداخل و«واعدةً» بأبراج شاهقة. ظاهرة تفاقمت منذ نهاية الحرب الأهلية ومع انتشار «الجشع» الاستثماري الذي لن يترك مساحة في العاصمة. آفة دفعت بعض الجمعيات إلى رفع الصوت لإنقاذ تراث بيروت المعماري. أما الجزء الأكبر منّا، فيمر أمام هذه الإعلانات متندراً على عجزه عن السكن في مشروع مماثل، محاولاً تكهّن الرقم الخيالي لسعر المتر، أو المتر المكعب إذا كان ضمن عقارات سوليدير.
ميرزا قرّرت تجميد الصورة الإعلانية ضمن صور فنية، لتحرّضنا على اتخاذ موقف نقدي من مسار تتخذه المدينة في تحديد معايير عمرانية جديدة، معايير ما بعد الحرب الأهلية. تهدف الصور الإعلانية لمشاريع البناء إلى خلق وهمٍ أنّ ما يراه المستهلك يستطيع امتلاكه بالمال. وغالباً ما تُستخدم عبارات شاعرية كـ«منزل ذو روح مصنوعة بشغف» لدعم الخيال البصري وتزويده ببعد روحاني. لكن هذه الصورة الممثِّلة للمبنى الوهمي، تُزال مع ظهور المبنى الحقيقي. أما الفعل الذي قامت به ميرزا، فهو تمثيل الصورة بحد ذاتها كغرض للبحث الفني. هنا، ما عاد المبنى ذا أهمية شرائية، وما عادت الصورة تحجب السلعة المبتغى بيعها. لقد اقتلعتها ميرزا من سياقها الإعلاني التجاري، لتصبح هي الغرض الفني. غرض يحمل في نهج تمثيله صورةً عن مستقبل المدينة، ليس فقط العمراني، بل أيضاً السياسي والاجتماعي. إنّها دعوة لقراءة الصورة وتفكيك رموز لسيميولوجية طرح عمراني في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
تلتقط عدسة ميرزا رجلاً سبعينياً ماسكاً جريدة «السفير»، يحاول النظر إلى البحر ضمن أفق الصورة الإعلانية المغلق من دون أن يتمكن من «التنعم بجوهر المتوسط». لن يستطيع أن «يتملك الأفق» كما يسوّق إعلان آخر، لأنّ البحر أصبح بعيداً خلف أبراج الزجاج، و«حلم يدعى البيت» يراود اللبنانيين الذين يهاجرون إلى بلاد النفط لجمع سعر شقة، فيجدون أنّ أهل النفط سبقوه إليها. جمّدت ميرزا الصورة الإعلانية في إطار صورتها الفنية، فلنتوقف ولنرَ مدينة قد لا نعرفها مستقبلاً، ولا هي تعرفنا.

«بيروتوبيا»: حتى 8 ت 2 (نوفمبر ) ـــ حديقة الصنائع (بيروت)
Remaking the city حتى 29 ت 1 (أكتوبر) ـــ غاليري «نائلة كتانة كونيغ» (جفينور ـــ الحمرا) ــــ 01/738706
يقام اليوم في الغاليري عرض موسيقي وفيديو لميرزا وفرقة «مونما» ابتداءً من التاسعة مساء