القاهرة | تعرّف المخرجة المصرية ليلى سليمان وفريقها عرض «دروس في الثورة» الذي قدمته أخيراً في مسرح «روابط للفنون المعاصرة» في القاهرة، بأنّه «أداء جسدي وبصري يخطّ مقالاً سياسياً». بهذه العبارة الموجزة، يمكن المشاهد أن يجد طريقاً للتواصل مع العرض، الذي يعرض حاليّاً في مدينة زيوريخ السويسرية. العمل (75 دقيقة) الذي يقدّمه فنانون وناشطون شباب، يقوم على مجموعة من الروايات عن الحياة في القاهرة الآن، في مرحلة ما بعد ميدان التحرير، حيث تراجعت «اليوتوبيا» لتحل مكانها الضرورات التي يرمز إليها العسكر ورجال الدولة.
هذه الروايات جمعتها ليلى سليمان وشريكها في إخراج العرض وكتابته رود غيلينيس، وجاءت مستمدة من خبرات وتجارب شخصية عاشها الرواة ووثّقوها بالفيديو، أمثال سلمى سعيد، وعايدة الكاشف، وعلي خميس، وعلي صبحي، وعمر مصطفى، وكريمة منصور، ومريم صالح.
تبدو هذه الروايات/ المونولوجات في تحليلها الأخير، أقرب ما تكون الى محاولة لتقديم سرد درامي لجانب من تاريخ «ثورة 25 يناير»... لكنّه التاريخ الذي يأتي من «أسفل». إذ يجري تسليط الضوء على السرديات الثقافية المصغّرة التي تواجه سردية كبرى، يجري الترويج لها في الإعلام، وتفيد بأنّ «الجيش هو الذي حمى الثورة». وفي حالات كتابة التاريخ من أسفل، لا يكون الهدف إعادة بناء تجارب الماضي القريب، بل وضعها أمام الناس لتصبح محلاً للتساؤل.
أهم ما في هذه الروايات قدرتها على استفزاز المتلقّي، وإثارة غضبه، لأنّها تتجاوز السرد والتوثيق باتجاه إشراك الجمهور ودفعه إلى تقديم السردية التي تخص كل فرد من أفراده. وهنا بالتحديد مأزق العرض الذي يختزل حدثاً كبيراً في زاوية ضيقة تحد مسار رؤيته الكلية، وخصوصاً أنّ التوليف الذي حكم عملية الصياغة الدرامية، اكتفى بالجانب الإخباري، فبدا للمشاهد كأنه إعادة إنتاج لحدث معروف، من دون الوقوف عند استخلاصات جمالية أو تأملية أبعد من الحدث ذاته. لكنّ العارف بتجارب ليلى سليمان السابقة التي كانت شديدة التميز، لن يتقبل بسهولة مسعاها لبناء هذا العرض الا في حدود استسلامه لرغبتها في تسجيل «الموقف» وحقها في إعلان هذا الموقف بسمة أسلوبية بسيطة لا تقود رؤيتها أبعد من تقنيات المسرح السياسي وأهدافه.
ولعلّ صانعي العرض أخلصوا أكثر من اللازم لما كتبه إيروين بيسكاتور (1893 ـــــ 1966) في كتابه «تسييس المسرح». فقد رأوا مع المعلّم الألماني الذي عاصر بريخت، وسبقه في التنظير للمسرح السياسي، أن الشرط الأساسي كي يكتسب المسرح صفة السياسي يأتي من اعتماده على وثائق وحقائق معروفة للجمهور، يعاد طرحها ضمن معالجات توجّه المشاهد نحو رؤية يعمل من أجلها المسرحي مبدع العمل. وقد تجلى ذلك بصورة واضحة في استغلال صنّاع العرض لأغنيات أحمد فؤاد نجم، والشيخ إمام بكل حمولتها في الذاكرة الجمعية التي زادها أداء مريم صالح المليء بالشجن... إضافةً إلى صوت مصطفى سعيد، الذي أدى أغنيات أخرى على العود.
وقد أصرّ صنّاع الفرجة على حصر الرقصات والأداء الحركي الذي صممته كوريغراف محترفة، مثل كريمة منصور، في حدود الوظيفة التعبيرية، كما في ﺭﻗﺼﺔ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻋﻠﻲ ﺻﺒﺤﻲ بواسطة أفراد من الجيش أو الرقصة الختامية. هكذا، يسهل على المتلقي فك الشفرات الدلالية للرقصات، وقراءتها بسهولة... وصولاً إلى المشهد الأخير القائم على تأويل راقص لإشارات ذات فيض من الدلالات في البيئات الشعبية. المشهد المشار إليه يشبه جملة النهاية في لحن الكريشندو القائم على التصعيد النغمي، ما جعل العرض إجمالاً «صرخة من أصوات لا تزال مجروحة».



مسرح التحريض

في «دروس في الثورة» (إنتاج مشترك بين «مهرجان روتردام» في هولندا، و«فوروم فرايس تئاتردوسلدورف» (ألمانيا) و«مؤسسة المورد الثقافي»، وصندوق شباب المسرح العربي) جرى الاكتفاء بالتحريض عبر مواد الفيديو المصوّرة والأداء التمثيلي. ضاعفت هذا الإحساس طريقة أداء معظم المشاركين، التي كانت حافلة بـ «ثرثرة انفعالية واضحة». وهو عيب عانته كل الشهادات باستثناء شهادة علي صبحي، الذي اعتُقل في آذار (مارس) الماضي في أول صدام حقيقي يين رغبات الثوار، وأداء رجال المجلس العسكري. ميزة هذه الشهادة تحديداً جاءت من قدرة صاحبها على التقاط اليومي والعابر ودمجه في السياق العام الذي تتعثر فيها رؤى الثورة المحاصرة.