يعود الموسيقيّ العراقيّ خيّام اللامي إلى بيروت مع عازف الإيقاع المصري أيمن مبروك بدعم من شركة «إيقاع»، بعدما أحيا حفلة الشهر الماضي على خشبة «مسرح بيروت» ضمن جولة ترويجيّة لباكورته «رنين أقل» تضمّنت أمسية أخرى على «مسرح البلد» في عمّان أيضاً. في البداية، عندما استقبلنا مشروع الشاب العراقي، الذي يعيش في لندن، احتفينا به كصوت جديد أضيف إلى قائمة الموسيقيين الشباب، الذين يحملون همّ البحث في الجذور («الأخبار» 12 تموز/ يوليو 2011).
ورغم الحضور الخجول في الحفلتين اللبنانية والأردنية، إلا أنّ الغلّة كانت وافرة بالنسبة إلى عازف العود الشاب، علماً أنّ جمهوره جاء في معظمه نخبويّاً، مقتصراً على دائرة الموسيقيين والمتحمّسين للتجارب الجديدة والباحثين عنها، لكن يبدو أن منافع الحفلتين كانت حاسمة في مسيرة اللامي. في حديثه إلى «الأخبار»، يرى أنه استفاد من الحفلتين استفادة كبيرة: «العزف أمام جمهور عربي في مدن عربيّة، كان أمراً افتقدته في لندن، وسيؤثر بالتأكيد في مسيرتي، وخصوصاً أنّني كنت قلقاً من ردود الفعل، والطريقة التي يمكن أن أُستقبل بها، لأنّ «رنين أقل» ليس عملاً سهلاً».
وهذا فعلاً ما حصل. رغم التفاؤل بانفتاح الجمهور العربيّ على التجارب الجديدة، يبقى من الصعب الاستحواذ على تركيزه لأكثر من ساعة في حضرة آلة نغميّة واحدة، لكن ما حصل أن موسيقى اللامي في أساسها صوَريّة (Picturesque) وواعية لطريقة الانتقال بين المقامات، وذلك يمنحها حيويّة وأبعاداً تستحوذ على الحضور. ولا ننسى حضور اللامي نفسه، وتفاعله الحيّ مع عازف الإيقاع أيمن مبروك. ربما لن تقدّم حفلتا «مسرح بابل» غداً وبعده جديداً للمطّلع على مسيرة الفنّان، لكنهما توفّران فرصة للاطّلاع على مشغل من نوع آخر في الموسيقى العربيّة المعاصرة، وخصوصاً أنّ اللامي يعمل حالياً في القاهرة على تأسيس فرقة «الألف». وستجمع هذه الأخيرة عدداً من الموسيقيين من مدارس وحساسيّات ومشارب متعدّدة، بهدف إنتاج موسيقى عربيّة معاصرة تستوعب جذورها وحاضرها ومستقبلها.
أثناء إقامته الفنيّة في القاهرة، التي تموّلها «مؤسسة المورد الثقافي»، سيسعى اللامي إلى إنتاج العمل الأول لفرقة «الألف»، الذي سمّاه «علامات استفهام». وهو، بتعبير الموسيقي العراقي الشاب، «بحث جدّي في الموسيقى العربيّة، وطريقة تأثيرها وتأثرها بأنواع الموسيقى المختلفة». وهذا هو، في النهاية، ما يشغل بال الموسيقي الشاب: توثيق التجارب الموسيقيّة العربيّة، والبحث عن جذورها والاطلاع على الإرهاصات الموسيقيّة العربية المعاصرة.
في مقال نشره في مجلة Index on Censorship، يقول اللامي إنّه اعتقد بأن العرب لم ينتجوا موسيقى منذ السبعينيّات، إلى أن اكتشف من خلال الإنترنت، بكثير من الدهشة، عدداً لا بأس به من التجارب الفرديّة التي تحاول ترسيخ حضورها هنا وهناك، لكنه عندما يستمع الآن إلى الموسيقى المعاصرة «يشعر بأنه ينصت إلى تاريخ تجري صناعته». ويشير إلى تجارب مختلفة مثل المصريين حازم شاهين ومصطفى سعيد، والأردنيّ يزن الروسان. إضافةً إلى شركتي «إيقاع» وForward.
من هنا تبرز تجربة اللامي على مستويين: البحث في جذور المنطقة الموسيقية وتوظيفها في قالب معاصر، وتوريط الموسيقيين العرب المعاصرين في إنتاج أعمال مشتركة. ومن هذه الزاوية، تقدّم الحفلتان غداً وبعده على خشبة «مسرح بابل» البيروتي، فرصة أخرى ليس فقط للاطلاع على المشهد الموسيقي المعاصر، بل أيضاً للمشاركة في صنعه وصنع جمهور واع لتاريخه: من الأغاني الفولكلوريّة اللبنانيّة وأغنيات الساحل المصريّة... إلى المقامات العراقيّة والقدود الحلبيّة. كل ذلك من خلال مشهد تواصل فنانين عربيين معاصرين في العشرينيّات، على خشبة «بابل».

أمسية خيام اللامي (عود) وأيمن مبروك (إيقاع): 9:30 من ليلتي الأربعاء (غداً) والخميس ـــــ رمضانيّات «مسرح بابل» (الحمرا/ بيروت).
للاستعلام: 01/744033



سيرة

ولد الفنان العراقي خيام اللامي في دمشق عام 1981 ثم انتقل مع عائلته الى لندن عام 1990. حصل على الماجستير في الدراسات الشرقية والأفريقية من «جامعة لندن»، حيث يدرّس آلة العود حالياً. أثناء دراساته، سافر إلى القاهرة وإسطنبول، وحصل على عدد من المنح البحثية، ليكون أول من يتلقى منحة أطلقها برنامج World Routes باسم World Routes Academy لعام 2010.