منذ أسبوعين، كان للجمهور موعدٌ مع مجموعة «مَيَال» في «مسرح بيروت». وهذا المساء، تطل الفرقة اللبنانية من «مسرح دوّار الشمس» في برنامج مختلف تماماً. بعد شهر، تبلغ «مَيَال» السنة من عمرها، لكن يصعب على من تابع نشاط المجموعة أن يشير بوضوح إلى تطور نوعيّ. لهذا أسباب عدة، أبرزها التغيير شبه الجذري الذي أصاب تركيبتها، بين تبديل عدد من أعضائها وإضافة عناصر جديدة. الحلّة الجديدة عمرها شهر فقط، وتضم من النواة المؤسِّسة المغنية دالين جبّور، وعازف البُزق عبد قبيسي، إضافة إلى زملائهما الجدُد، أحمد شبّو (كمان)، عماد حشيشو (عود)، علي الحوت (رقّ) وبلال بيطار (قانون).
بحسب التعريف المعتمَد من جانبها، تعتمد «مَيَال» منهج التقليد التأويلي في المشرق العربي. هذا المنهج الذي اتُّخِذ مبدأً خلال عصر النهضة في القرن التاسع عشر، يقدّم الأداء على هيئة وصلات مقامية، تقوم كلٌ منها على مجموعة من الألحان الثابتة والمرتجَلة من المقام ذاته...
هذه الممارسة الفنية التي يبيِّنها التعريف المذكور، والقائمة على استرجاع تقليد موسيقي وغنائي بأمانة، تستحقّ تحية غير مشروطة. فما نحن والفرقة بصدده من إرث فنيّ يحتاج إلى من يعيد إحياءه لثلاثة أسباب على الأقل: أولاً، معظم هذا التاريخ غير مسجَّل. ثانياً، ما بلغَنا منه مسجَّلاً تشوبه رداءة التسجيل. ثالثاً، عندما يضيِّع مجتمعٌ البوصلة على خريطة الفن الشعبي وتهبط مستوياته في الإنتاج والذائقة، فليس هناك أفضل من العودة إلى الينابيع، أي الرجوع إلى الأساس الكلاسيكي (العربي وغير العربي)، لتقويم الاعوجاج.
كل ذلك يرتِّب على «مَيَال» وغيرها، مسؤوليات لا تطاول الأمانة والقدرات الفنية العالية فحسب، بل أيضاً الرؤية التي تسمح بإيصال هذا الفن (وبالتالي تأثيراته الإيجابية) إلى جمهور ليس مطلوباً منه العودة في أسلوب حياته وسلوكه إلى القرن التاسع عشر، كي يُقبَلَ في نادي الفن الأصيل.
وضمن هذا السياق، لا شك في أن «ميَال» فرقة جدّية، وأمينة على أصول الفن الذي تقدّمه، لكنّها، في المقابل، لا تملك بعدُ لا القدرات التقنية، ولا الهيكلية العصرية التي تسمح لها بأن تنظر بعين الرضى إلى موقعها ومكانتها، ما دامت لم تنجح في جذب الجيل الجديد، ولم تحقّق المكانة التي تجعلها بمنأى عن انتقادات الجمهور الجدّي.
الأمسية الأخيرة التي أحيتها الفرقة في عين المريسة، لم تكن موفَّقة. ويمكن تسجيل بعض الهفوات الصوتية في أداء دالين جبّور، التي ينبغي لها التنبّه أيضاً إلى بعض الأمور الشكلية والموسيقية، بغية عدم إفساد الجميل الذي تملكه (والفرقة) أصلاً. عليها التخلّص من فكرة الغناء جلوساً، والإدراك أنها واجهة الفرقة، وأن الغناء فرحٌ والتفاعل مع الجمهور بالحد الأدنى يؤثر نفسياً إيجابياً على الطرفيْن. هذا الأمر، مضافاً إلى ضرورة استخدام الميكروفون (في الصالات الواسعة)، يمكن أن يسد ثغر طاقتها الصوتية، وأن يخفف من التشنج (ذي التأثيرات السلبية على كل الأصعدة).
في ما يخص أعضاء الفرقة، لكل مشكلته التقنية، في المقاطع المرتجلة تحديداً. أضعفهم عماد حشيشو، الذي لا يبدو مرتاحاً للعبة الارتجال. أما عبد قبيسي، فيستطيع عادةً استغلال المهارات التقنية غير المكتملة، وكذلك ذائقته الفنية، لتأمين ارتجالات مينيمالية، لكنّه لم يعطِ أفضل ما عنده في المرة الأخيرة، فيما نحن أمام موهبة واعدة في العزف على القانون مع بلال بيطار، الذي كاد يطربنا (لولا بعض التلبُّك التقني) بسيطرته على الجانب الديناميكي لآلته، وبتخطيطه السريع لهيكلية التقاسيم التي يقدّمها.
لكن لا بأس، فرحلة إحياء التراث طويلة، والفرقة تملك كل حظوظها في التقدّم والنجاح. إلى اللقاء الليلة في الطيّونة.

وصلات مقاميّة من عَصْر النهضة العربيّة: 9:30 الليلة ـــــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة/ بيروت). للاستعلام: 01/381290



البرنامج

في سياق السعي إلى إغناء ريبرتوارها، تقدّم «مَيَال» هذا المساء برنامجاً موسيقيّاً وغنائياً مختلفاً تماماً عمّا سمعناه الشهر الماضي في «مسرح بيروت»، مع أعمال لمؤلفين بينهم عمر البطش، وجميل بيه الطنبوري، ومجدي العقيلي... على البرنامج ثلاث وصلات في المقامات التالية: بياتي محيَّر، راحة الأرواح، وراست. هذا إضافةً إلى الموشحات والمواويل، وأبرز ما يتخلل كلّاً منها، سماعي تركي وطقطوقة «خفيف الروح» لسيّد درويش في الوصلة الأولى، وقصيدة «وحقّك أنت المنى والطلب» للإمام الشبراوي (اللحن مرتجَل) في الثانية، وسماعي تركي آخر، ودَور «أصل الغرام» لمحمد عثمان في الثالثة.