جرجس شكري: خارج البرنامج الرسمي

  • 0
  • ض
  • ض

يستعيد الشاعر جرجس شكري ذكرى الخراط، فيقول: التقيت إدوار الخراط في نهايات التسعينات، ومن قبل اكتفيت بقراءة أعماله، وربما منعني من الاقتراب منه نجوميته الكبيرة في تلك الفترة، روائياً راسخاً وناقداً أدبياً وشاعراً ومترجماً وكاتباً للإذاعة، وحوله العديد من التلاميذ، ومصطلحات تصدر عنه وأخرى تُنسب إليه. كان يملأ الدنيا صخباً بالحساسية الجديدة، والكتابة عبر النوعية، والحداثة وأصواتها. كنت أشعر أنه مؤسسة أدبية مستقلة قائمة بذاتها، كانت أعماله بالنسبة لي عالماً خاصاً يغرد وحيداً خارج سرب جيل الستينات ليس فقط من خلال رواياته وأيضاً من خلال رؤيته للأدب في كتاباته النقدية، فلم يشأ كغيره من أبناء جيله أن يكون روائياً متميزاً. كان إدوار الخراط المثقف المتميز الفاعل والمؤثر في الحياة الثقافية، معلماً مغامراً يسعى دائماً إلى التجديد والبحث عن آفاق غير مألوفة في دروب الأدب، فأثار حوله جدلاً كبيراً لم ولن ينتهي. وفي عام 1998 صدر ديواني الثاني "رجل طيب يكلّم نفسه" واقترح الناشر في "دار شرقيات" أن يناقش الأستاذ إدوار الخراط الديوان في معرض الكتاب ووافق. وفجأة ألغى المسؤول عن المقهى الثقافي الندوة، وحين أخبرته واقترحت أن نقيم الندوة خارج البرنامج الرسمي، خارج مخيم المقهى، أي في المقهى نفسه إلى جوار البوفيه، واكتشفت إدور الخراط في تلك اللحظة، حين تهلل فرحاً كطفل وقال لي: خارج البرنامج الرسمي أفضل بكثير، سنقيم الندوة حتى في الشارع، ولم أصدق أنّ كاتباً بحجم إدوار الخراط في منتصف العقد السابع من عمره وقتذاك فرحاً بهذه المغامرة، وبالفعل جاء إلى معرض الكتاب وجلسنا "على القهوة" خارج البرنامج الرسمي والتف حوله كبار الكتاب من ضيوف المعرض. وقد جاء حاملاً أوراقه وراح يقرأ، ليستمع إليه الحشد الكبير ويرفع صوته مقلداً دور شاب في مقتبل العمر، وبالطبع كان صوته خافتاً إلى حد ما، لكنه كان يصرخ متحدياً الزمن والمسؤولين في معرض الكتاب. وأدار الندوة يومها المترجم طلعت الشايب، وكانت من أجمل الندوات التي أقيمت لي حتى الآن، والأجمل أنني اكتشفت هذا الكاتب الكبير الثائر المغامر في الأدب والحياة معاً في تلك اللحظة، فسلاماً لروحك أيها الثائر العظيم.

0 تعليق

التعليقات