القاهرة | انتظر الشاعر السوري المتصوّف عبد الغني النابلسي (1641 ـــ 1730) ثلاث سنوات كاملة قبل أن يقف منذ أيام على ضفاف النيل في «ساقية الصاوي»، ويلقي سلاماً ومحبة على الجمهور بقصيدته «قف جانب الدير سل عنها القساسيسا». ينتبه الحاضرون لحفلة فرقة «الحضرة الصوفية» أنّها عنونت الأمسية بعبارتين براقتين: الثورة والوحدة الوطنية.
لا يعرف معظم الحضور النابلسي، لكنهم عرفوا كلماته، فراقتهم. كرّر مؤسس «الحضرة الصوفية» الشيخ جودة هيكل أبياتاً له «مالت بها القوم صرعى عندما برزت/ بها البطارق تسقيها الشماميسا/ كأنها وهي في الكاسات دائرة/ صافي الزلال حوى فيه طواويسا/ صرف صفت وصفت دار النعيم لنا/ وآدما والذي يحكي وإبليسا/ عجنا على ديرها والليل معتكر حتى زجرنا لدى حاناتها العيسا/ مستخبرين سألنا عن مكامنها/ توما ويوشا ويوحنا وجرجيسا».
«الوحدة الوطنية» هو عنوان الحفلة نفسها التي ألغاها موظفو وزير ثقافة العهد البائد فاروق حسني الثقافة (2008) قبل دقائق من عرضه في قصر «قبة الغوري» في القاهرة الفاطمية، لأنّهم رفضوا أن يغنّي شمّاسو الكنيسة ترانيم إلى جوار مديح الرسول محمد.
طقس لم يغيّره الشيخ جودة منذ أن احترف الغناء الصوفي. قبل أن يصعد إلى خشبة مسرح «الساقية» البسيط، خلع حذاءه وجلس على الأرض ووضع عينيه فوق نقطة على التراب، توسطته مجموعة من الدروايش. قرأ سورة الفاتحة وأذكاراً من الصوفية، ثم صلّى على النبي والأولياء التابعين.
معظم أشعار المنشدين الصوفيين كانت باللغة العربية الفصحى (عمر بن الفارض، ومحيي الدين بن عربي، وإبراهيم الدسوقي، وأبو بكر الشبلي)، لكن لا أحد من هؤلاء ولا المُحدثين في الكتابة للإنشاد الديني، كتبوا حرفاً عن الثورة المصرية. بل إنّ الطرق الصوفية قبل الثورة كانت ضد حركات التغيير المصرية، وفي رحم نظام مبارك. وبعد الثورة، استقبلهم صدر المجلس العسكري ولفظهم الثوّار.
لكنّ جودة هيكل الذي يفخر بأنه وفرقته شاركوا في الثورة، يمثّل تياراً جديداً في الغناء الصوفي «الجماهيري». شعبان رمضان هو أحد كتّاب أغنيات الشبان الذين غنى لهم «من غضبة الأحرار صغت بياني، وبساحة الثوار هتف لساني، الله أكبر سوف ترقى مصرُنا. يا أيها الثوار طاب جهادكم. أنتم حديث الفخر للأزمان. لهم التحية والسلام عليهم».
جودة هيكل الذي كان عاملاً في الشركة المصرية لتجارة الكيماويات، قبل أن يحال على التقاعد، قلق كغيره من الناس على مسار الثورة «خايف عليكي يا بلدي، وشايل في قلبي الهم، خايف لييجي يوم وأبكي بدل الدموع دم». يعرف حجم المخاطرة، لكنه يعتزم من خلال فرقة «الحضرة» أن يغني قضايا العمال والناس المساكين «أحبابنا وأهالينا».