مَن قتل المغني الجزائري معطوب الوناس (1956 ـــ 1998)؟ سؤال يبقى معلّقاً منذ أكثر من 13 عاماً. بين اتهام الجماعة الإسلامية المسلحة بتدبير المكيدة، وتحميل الجيش المسؤولية، أعادت محكمة تيزي وزو أخيراً النّظر في القضية. ووسط حالة من الجدل، حكمت بالحبس 12 عاماً، على شخصين مشتبه فيهما ومعتقلين طوال المدّة نفسها، تاركةً خلفها علامات استفهام تخيم على ظروف اغتيال المغني والمناضل البربري الذي صار اليوم رمزاً من رموز الصمود والحريّة في الجزائر. عائلة معطوب الوناس (الصورة) خابت ظنونها.
انسحبت أخته ووالدته وزوجته حالما بدأت الجلسة بحجة «اتهام القضاء زوراً رجلين بريئين» في إشارة إلى أن السلطة السياسية تحاول توريط المتّهمين شنوي عبد الكريم، ومليك مجنون والتغاضي عن المتورطين الفعليين. إذ إنّ غالبية أبناء منطقة القبائل، حيث وُلد معطوب، يرجّحون تورّط النظام في اغتيال الوناس.
مقتل الوناس عام 1998 كان كفيلاً بزرع حالة من الغليان الشعبي في الجزائر. يومها، عبّر الآلاف من محبّي صاحب «سخرية القدر» عن غضبهم عبر مهاجمة بعض المؤسسات الحكومية لأنّهم كانوا مقتنعين بتورط الجيش في الجريمة. وتراجع الغضب بعد ظهور النائب نورالدين آيت حمودة ووزيرة الثقافة الحالية خليدة تومي ليتّهما الجماعة الإسلامية بالعملية. موقف تعزّز عندما قدمت شقيقة الراحل مليكة الفرضية نفسها، قبل التراجع عن أقوالها في ريبورتاج يعدّ الأهم في قضية الاغتيال بثته قناة Canal Plus الفرنسية.
في هذا الريبورتاج أيضاً، أقرّت زوجة المغنّي نادية بتعرضها لضغط الجهات الرسمية لاتهام الجماعات الإسلامية بالاغتيال، وتفادي الإشارة الى احتمال ضلوع الجيش في القضية. هذه الوقائع تعكس حساسية الملف. الوناس ليس مغنياً فحسب. منذ ألبومه «أين أنت يا أسد؟» (1978)، صار أحد الأسماء البارزة في النضال والدّفاع عن الثقافة البربرية. أغنياته تحمل تشبثاً بمطلب الإقرار بالثقافة الأمازيغية. يضاف إليها مناداته بعلمنة الجزائر وتأسيس نظام ديموقراطي.
هذا الخيار ألّب عليه الجماعة الإسلامية المسلحة التي اختطفته عام 1994 قبل أن تطلق سراحه تحت ضغط شعبي. صاحب «باسم أهلي» الذي بدأ الغناء من مقاهي باريس وحاناتها منتصف السبعينيات، طاف أرجاء العالم من بروكسل إلى مونتريال، ومن الجزائر إلى كاليفورنيا، جاهراً بالدّفاع عن الثقافة الأمازيغية، وبالقيم العلمانية. وبعدما عانى من مضايقات الإسلاميين والسلطة في آن، رحل في ظروف غامضة. ورغم مقتله في منتصف الطريق (42 عاماً)، لا يمكن اليوم الحديث عن الأغنية القبائلية من دون ذكر اسمه.